عطية مسوح.. جدل الفكر والممارسة

يستمر عطية مسوح المفكر والكاتب السوري والمناضل اليساري، كما يصفه محاوره محمد جمعة حمادة، في طرح أفكاره ورؤاه التي أثارت في كثير من الأوقات نقاشات حامية بين أوساط الماركسيين والشيوعيين منهم خاصة، وهو الذي يرى أن مهمة المثقف الحقيقي هي أن يسهم في وعي الناس لواقعهم وتعزيز نزعة المشاركة في الشأن العام لديهم.

عطية مسوح يرى في سياق هذا الحوار، الذي صدر في كتاب يحمل عنوان (عطية مسوح.. جدل الفكر والممارسة) أن الماركسية هي أولاً: فلسفة في الحرية ((فإنها تميزت من نظريات الحرية الأخرى بأنها ربطت حرية الإنسان بخلاصه من الاغتراب، وربطت الخلاص من الاغتراب بالخلاص من الاستغلال الاقتصادي، أي أنها ربطت الحرية بالعدل، وهذا – حسب ظني- هو الحلم الإنساني الذي لا يتحقق تحققاً مطلقاً، لذلك فإنه لا يموت)). وهي ثانياً ليست علماً (إن جعل الماركسية علماً يضيق مجالها،ويصغرها. الفيزياء علم.. الكمياء علم.. وهما من علوم الطبيعة، علم السكان، علم النفس، علم الاجتماع، علم التأريخ، وهي من العلوم الإنسانية، فأي علم هي الماركسية؟ إنها فلسفة موضوعها الوجود والمجتمع والتاريخ والتطور والفكر والمادة والواقع والوعي والثقافة والعقل والحرية)). والماركسية ثالثاً ليست إيديولوجيا: ((ماركس نفسه يعدّ الإيديولوجيا وعياً زائفاً، لأنها وعي طبقي، أي لأنها تعبر عن مصالح طبقة لا عن مصالح المجتمع وتقدمه… يرى ماركس أن السير قي طريق التقدم الاجتماعي هو ارتقاء نحو الحرية، وأن علاقات الإنتاج الرأسمالية حين تهيمن وتترسخ وتعرقل تطور القوى المنتجة تصبح عقبة في طريق التقدم الاجتماعي، ولمواصلة سير البشرية في طريق التقدم والارتقاء نحو الحرية، لا بدّ من إزالة هذه العلاقات. كما يرى أن الطبقة العاملة معنية بإزالة هذه العلاقات لأنها أكثر الطبقات تضرراً منها، وهكذا تتطابق مصالح الطبقة العاملة مع مصالح تقدم المجتمع، أي أن الغاية في الماركسية هي مصلحة المجتمع، وتأتي مصلحة الطبقة في سياقها. وهكذا فإن الماركسية ليست فكراً لطبقة، أي أنها ليست إيديولوجيا)).

وحول الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد فأن عطية مسوح ما يزال يعلق الأمل (على حل سياسي للأزمة، على تفاوض يؤدي إلى (حل وسط) ينقل البلاد إلى الديمقراطية والتعددية ويقطع الطريق على التكفيريين دعاة العودة إلى القرون الوسطى). وفي السياق ذاته يرى (أن قوة الحركات الدينية على هذا النحو الذي يبدو اليوم هو أمر مؤقت، فالحركات الدينية المتشددة تبين على حقيقتها، ويظهر عجزها عن التعامل مع القضايا والمشكلات الواقعية). وبرؤية مستقبيلة يقول مسوح: ((أنا على ثقة بأن عاصفة التغيير ستهب قريباً في دول الملوك والأمراء والقبائل، لأن هذا النظام العربي فات زمنه وتجاوزته الحياة، كما فات زمن الأنظمة الدينية التي تدعو إليها بعض القوى وتعدها بديلاً للأنظمة الحالية. المستقبل لن يكون إلا للأنظمة التعددية الديمقراطية المدنية).

عطية عبود مسوح، ابن قرية حبنمرة في محافظة حمص ولد في 14 شباط 1945 انتسب إلى الحزب الشيوعي السوري في أواخر عام 1961 على يد الرفيق علي ناصر الحكيم. حائز على شهادتين الأولى إجازة في اللغة العربية والأخرى من المعهد العالي للخدمة الاجتماعية، قاد منظمة الحزب في الجامعة، ومثل الحزب في الاتحاد الوطني لطلبة سورية، وكانت له مساهمة في العمل الفدائي، إذ تطوع في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فترة عام تقريباً، وفي عام 1987 انتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري، وفي بدية عام 1992 أصبح رئيس تحرير مجلة (دراسات اشتراكية) التي كان يصدرها الحزب، واستكمل عمله فيما بعد في صحيفة (النور) مُشرفاً على القسم الفكري.

يقول عطية :في الثمانينيات بدأ يتبلور داخل الحزب الشيوعي تيار تجديدي، وكان لي إسهام في تبلوره على الصعيد الفكري. ويضيف: (لم يكن ترسيخ هذه الروح الانفتاحية التجديدية أمراً سهلاً في حزب يقوم تنظيمه على ما عُرف بالمركزية الديمقراطية، وتقوده هيئة شمولية اسمها المكتب السياسي). وهنا يبرز دور الأمين العام الرفيق يوسف الفيصل (فكان له أهمية كبيرة في حماية هيئة تحرير المجلة من سعي المتحفظين والتقليديين لتغييرها، أو خنق النزعة التجديدية عندها وفي الحزب عامة). بالمحصلة يرى مسوح أن الفيصل (لم يكن مع تيار التجديد تماماً ولكنه لم يكن ضده، وكان يحميه عندما يزداد الضغط عليه).ويضيف في مكان آخر من الحوار: (فشخصية فيصل التوفيقية طبعت الحزب الذي أصبح أمينه العام بطبيعته، فاتسم بالوسطية بين الفردية والديمقراطية، وبالوسطية بين المحافظة والتجديد.

عطية مسوح الذي لا يخشى على هويته المذهبية (إنما يخشى على هويته العقلانية والعلمانية لأن الصراع مع القوى التكفيرية والجنون السياسي غير متكافئ في هذه الظروف، أي أنه ليس في صالح العقلانية والعلمانية، وقد يستمر هذا زمناً ليس بالطويل ولكنه كبير الأذى). وأمام هذا المشهد يذهب عطية إلى الثقافة لأنها تُجمل حياته وتُسهم في تجميل حياة الناس.فالمثقف كما يقول مسوح: ليس المطلوب منه أن يحمل سلاحاً، سلاحه ووسيلته  هو قلمه، ومنذُ أكثر من ربع قرن وأنا أستخدم هذا السلاح باتجاه كشف الشمولية وأضرارها، وضمان حرية التفكير والتعبير.

العدد 1105 - 01/5/2024