التحصيل الجامعي للأغنياء فقط!

لطالما اتبعت الحكومة السورية سياسة داعمة للتعليم الجامعي، لوعيها الكبير بأهمية تعليم الشباب وتثقيفهم، وهذا كله يظهر على وجه التحديد بالتعليم العام، الذي يتميز برسومه الرمزية جداً،
ولكن من لم يحالفه الحظ بتحصيل معدل نجاح عال في الشهادة الثانوية،
يتوجب عليه أن يتّجه للتعليم الموازي والتعليم المفتوح والافتراضي، وكلها باتت اليوم تحتاج لرسوم تسجيل مرتفعة، وهذه الرسوم تتفاوت حسب الاختصاصات، بين 60 و200 ألف لكل سنة دراسية وهو مبلغ يصعب تأمينه بالنسبة لأغلب الطلاب،
وطبعاً نستثني هنا الجامعات الخاصة التي باتت أقساطها بالملايين.

فالظروف الاقتصادية الخانقة التي يمر بها المواطن السوري، جعلت من الأقساط الجامعية عبئاً كبيراً على عائلات الطلاب، الراغبين بدعم أبنائهم ومتابعة تعليمهم، فدخل المواطن لا يكفي سوى للأسبوع الأول من الشهر، ولا يغطي احتياجات الأسرة الأساسية والضرورية.

فكيف سيستطيع أهالي الطلاب أن يسدّدوا الرسوم الجامعية لأولادهم في هذه الأزمة، فعلى الرغم من أنها رسوم مقبولة للبعض، إلا أنها تعتبر رسوماً مرتفعةً بالنسبة للشريحة الأوسع من أصحاب الدخل المحدود، والطّبقة المتوسطة و الفقيرة، التي تأمل أن ترفع من المستوى التعليمي والثقافي والاجتماعي لأسرهم عن طريق أبنائهم.

لقد كان الهدف الأساسي من إنشاء التعليم المفتوح والافتراضي، منح الطلاب فرصة إضافية لاستكمال تعليمهم، ولكن ارتفاع الأسعار والغلاء طال كل شيء، حتى الأقساط الجامعية،
التي أصبحت مشكلة حقيقية يعاني منها طلاب كثر، مما دفع فئة منهم إلى التخلي عن أحلامهم، في الحصول على شهادة جامعية، وللأسف العامل الأساسي وراء ذلك هو نقص المال.

تقول (أ.م): (لطالما تمنيت أن أكمل تعليمي، ولكن الظروف المالية القاسية التي نعاني منها، حرمتني من هذه الفرصة، لأن الرسوم الجامعية مرتفعة جداً، فالتعليم في سورية أصبح للأغنياء فقط، فهم وحدهم من يستطيعون تحمل نفقات الجامعية وتكاليفها الكبيرة).

وعندما تحتك بالطّلاب، وتتقرّب منهم تستشعر حجم معاناتهم ومعاناة أسرهم، لتأمين القسط الجامعي، وتستمع إلى شكواهم المستمرة، من ارتفاع الرسوم الجامعية التي أرهقتهم وأرهقت وذويهم، واستنزفت مدخراتهم،
مما اضطر بعضهم للعمل لمحاولة تأمين مورد مالي، يغطي مصاريف المرحلة الجامعية، وأُرغم آخرون على إيقاف دراستهم الجامعية، لعدم قدرتهم على تحمل ارتفاع التكاليف في هذه الأزمة.

لذلك من الواجب على الحكومة أن تنظر بعين الرأفة لهؤلاء الطلاب، وتخفّض من الرسوم الجامعية التي ترتفع كل سنة، كي تكون عوناً لهم  في بناء مستقبلهم، وأن تستمر بدعم التعليم الجامعي والتعليم العالي، فلا يجب أن نجعل المال يشوه حاضرهم، ويحرمهم من أبسط حقوقهم في أن يكملوا تعليمهم.

فإلى متى سيبقى طلابنا يعانون من آثار الأزمة، وتداعياتها المختلفة، وخصوصاً على الوضع الاقتصادي المنهك؟
وإلى متى ستبقى مشكلة المال، تمنعهم من تحقيق آمالهم، والحصول على إجازة جامعية تعينهم بالبحث عن فرصة عمل محترمة؟ ألا يجب أن نعيد تطبيق مقولة (العلم لا يكال بالمال)؟ وأن العلم والتعليم متاح للجميع، وليس حكراً لأصحاب الأموال.

 

 

 

العدد 1105 - 01/5/2024