المشاكل التي تُعانيها طفولتنا

ما زالت الطّفولة السّوريّة تُعاني من بعض المشاكل، وما زالت الأسرة السّوريّة لا تبذل الجهد الكافي للتعامل مع هذه الإساءات بشكلٍّ إيجابيّ وصحيح، ولكي نتمكن جميعاً من حلّ هذه المشكلات يجب علينا أن نؤمن بأنّ الخطوة الأولى الأكثر منطقية ومعقوليّة هي تحديد المشكلة بشكلٍّ دقيق ثُمّ العمل على حلّها بالشّكل الأمثل.

 فما هي هذه المشاكل؟ وما هي أشكال الأذى الّتي لحقت بالطّفولة والشّبيبة؟ وما هي أهم الاتهامات الّتي توّجه لأطفال المدارس اليوم؟!

 القتل، الاغتصاب، السّرقة، التّهجم، السّطو، تعاطي الأدوية المخدرة، الحريق المتعمد، تفجير القنابل، تعاطي الكحوليات، حمل الأسلحة، غياب الوعي، تخريب الممتلكات العامة والخاصّة والابتزاز.

ولأنّ الكثير من هذه التّهم تُعتبر جرائم، فليس هناك الكثير كي نضيفه سوى أن نقول بأنّ الأوقات والأحوال قد تغيّرت بشكلٍّ كليّ، وكلّ من يدعي بأنّ هذه التّغييرات جيّدة نقول له ببساطة إنّه لا يُفكّر، وإنّ مهمة الآباء داخل المنزل تزداد صعوبة في ظلّ ما يتعرض له الطّفل والشّاب في المجتمع ككلّ.

فما هي هذه التّأثيرات؟!

أولاً: تأثير الموسيقى: إنّ أكثر أنواع الموسيقى مبيعاً هذه الأيّام هي موسيقى (الراب)؛ الموسيقى الرّيفية الأميركية، والّتي تعتبر مشكلة أساسية لأولادنا، بسبب الكلمات الّتي تعرضها، والّتي تعمل على رسم صورة سلبية في الذّهن، ومن ثمّ يعمل العقل على تنفيذ هذه الصّورة على أرض الواقع، لذلك نرى بأنّ حالات الانتحار قد ازدادت، وإدمان المخدرات، وأعمال العنف،والتّسرب من المدارس، الزّواج العرفي وفي سن مبكرة.

* قال البطل الاسكتلندي (أندرو فلتشر) في عام 1703م: (… أنتَ لك أن تسن القوانين، لكن دعني أكتب الأغاني، وسوف يكون لي حكم بلدك…).

السّؤال الّذي يطرحه قادة المجتمع اليوم، لماذا نستورد موسيقى بعيدة كلّ البعد عن مجتمعنا وعن ثقافتنا وعن عاداتنا؟ لماذا نسمح لأولادنا أن يجلسوا في الحدائق العامة ويرقصوا على أنغام موسيقى تتكلّم عن القتل والسّرقة وجهنم والعذاب، وعدم الاستماع لنصائح الوالدين وتخريب المدارس وإزعاج المدرّس الخ…، هناك أغنية تقول: (إنّك جربت شربت الكحول فلم ينفع، جربت المخدر ولم ينفع أيضاً، جربت الجنس ولم يساعدك أيضاً، فلماذا لا تجرب الانتحار؟!…) عندما يستمع أطفالنا لمثل هذه الكلمات فما هو السّلوك الّذي سنتوقعه منهم مستقبلاً؟!

لذلك يقترح قادة المجتمع بأن يهتم موزعو الأغاني بنوع الموسيقى الّتي ينشرونها في السّوق السّوريّة، وأن يغضوا النّظر قليلاً عن ربحهم المادي، ويعملوا من أجل بناء طفل سوريّ يحمل عادات مجتمعه وليس عادات مصدرة إلينا لتخريب عقول أولادنا وتخريب مجتمعنا، وأن يكون هناك اهتمام بأغاني الطّفولة والشّبيبة الّتي تراعي القيم والأخلاق السّوريّة.

ثانياً: تأثير التّلفاز: هناك الكثير من العائلات الّتي تُفضل تماماً الاستغناء عن جهاز التّلفاز لكنّهم مشدودون إليه ويخافون من لوم معارفهم وأصدقائهم، أو من تعرّض أولادهم للارتباك والشّعور بالظّلم إذا لم يتواجد هذا الجهاز في منزلهم.

* يؤكّد قادّة المجتمع بأنّ للتلفاز جوانب إيجابية لا يمكن إغفالها، ولكن إن لم يتم التّعامل معه بوعي وإيجابية سيكون تأثيره السّلبي أقوى بكثير من تأثيره الإيجابيّ.

– هناك دراسة أجرتها مؤسسة ميديا سكوب في عام 1997م توضح ما يلي:

* أنّ العنف الذي يعرضه التّلفاز يُمثّل خطراً فظيعاً على جمهور المشاهدين.

* الجناة لا يلحقهم العقاب في 73% من مشاهد العنف.

* النّتائج السّلبية للعنف لا تظهر غالباً في البرامج المختصّة بذلك.

* واحدة من أربعة عروض عنف تُستخدم فيها المسدسات.

* 4 % من مشاهد العنف فقط تؤكّد على أهمية انتهاج عدم العنف كرد فعل.

* تتخصص قنوات الكابل مرتفعة الأجر في عرض النسبة الأكبر من روايات العنف والجنس بنسبة (85 %).

* كما أنّ هناك بعض المؤسسات المهتمة بعلم نفس الطّفل والمراهق قامت بإصدار العديد من الدّراسات عن تأثير التّلفاز و ألعاب الحاسوب على العنف لدى الأطفال والمراهقين، وأقرّت بأنّ هؤلاء ربما:

* أصبحوا محصنين ضد العنف.

* يقبلون العنف تدريجياً كوسيلة لحلّ المشكلات.

* يقلدون العنف الّذي يشاهدونه في التّلفاز أو في الألعاب الالكترونية.

* يتماثلون ويتوحدون مع الشّخصيات الّتي يشاهدونها سواء كانوا ضحايا أم جناة.

– لقد بات من المؤكّد بأنّ للتلفاز تأثير سلبيّ إن لم تتم مراقبته باستمرار، فعندما يجلس طفلنا أمام شاشة التّلفاز أو الحاسوب يتعلّم (يُلقّن) من أكثر الوسائل تأثيراً في أيّامنا هذه، فمن خلال هذه الشّاشة الصّغيرة أصبحنا مؤهلين لتصديق أمور بعيدة عن مجتمعنا وعن تفكيرنا وعن نمط حياتنا اليومي.

ويبيّن قادة المجتمع بأنّه لا يمكننا أن نقيس مدى ما يغتصبه منّا إدمان التّلفاز من ضريبة تؤثر على شباب الأمّة فيما يختص بالقدرة والإنتاجيّة، والمقصود هنا هو الإدمان المفرط الّذي يُخمد القدرة الخلاّقة للإنسان ويدمر العلاقات الشّخصيّة بين النّاس، فالخطأ الأساسي لشاشة التّلفاز لا يقع كثيراً في مجال التّصرفات الّتي يعرضها، بل فيما نفقده من وقت لا نستغله استغلالاً مثمراً، فكلّ ساعة نقضيها أمام التّلفاز تُعتبر ساعة ناقصة من التّحفيز الشّخصيّ، والإبداع الذّهني، والاختلاط الحقيقي في حياة الآخرين.

– ومن الآثار السلبيّة الّتي ينقلها التّلفاز لأولادنا ولا نعيرها الاهتمام والانتباه الكافي:

* تزايد استخدام الألفاظ الغريبة المقحمة على اللّغة الصّحيحة.

* نقص في التّخيّل والابتكار والعفوية عند الطّفل والشّاب.

* تضخم غير منطقي في الاعتماد على الموسيقى الصّاخبة كوسيلة وحيدة للتعبير عن الفن.

* المنظر الشّائع لتعاطي المخدرات.

* الاهتمام المتزايد بالخبرات الانفعاليّة بالمقارنة بتلك الّتي تتطلب التّلاحم الذّهني الفعّال.

* حلّ المشكلات بشكلّ خلاّق ومبدع أصبح محدوداً ونادراً.

إذاً ما هو الحلّ؟ وما هو الوقت اللاّزم لمشاهدة التّلفاز وممارسة الألعاب الالكترونية؟!

يقترح قادة المجتمع حلّاً للاستفادة من هذه الشّاشة الصّغيرة بشكلٍّ إيجابيّ وفعّال بأن تقوم العائلة بتسجيل عناوين البرامج والمسلسلات المناسبة للعائلة ككلّ، فهناك برامج لها رسالة هادفة يمكن أن يتعلّم منها الجميع الجغرافيا والتّاريخ وبعض المعارف عن الحضارات الأخرى، وهناك بعض البرامج الّتي تمد المشاهد بالرّاحة والاستمتاع.

فالآباء والمربون هم المسؤولون عما يُدخل إلى ذهن الطّفل، فعندما يحصل على مدخلات إيجابيّة سيجني بالطّبع مخرجات إيجابيّة والعكس صحيح.

أخيراً: لن يكون بمقدورنا أن نقوم بتربية طفل أو شاب إيجابي محصن بقوة ضد تأثيرات المجتمع السّلبيّة، ولكن جلّ ما يمكننا أن نفعله هو أن نملّكه المفاتيح الرّئيسية للتفكير الإيجابيّ، والّتي ستقوده للسلوك الإيجابيّ الصّحيح المتوافق مع مسار مجتمعنا وعاداته وقيمه.

العدد 1107 - 22/5/2024