تسارع للكون وتباطؤ للقيم

تسارع عظيم يشهده الكون، عجلة تطور هائلة السرعة تدور، ممسكة بأطراف مجتمعنا، لكن هل كل ما نشهده تطور؟ هل التطور والانفتاح بأجهزة حديثة فقط؟ والنفس البشرية لمَ لا يطولها التطور؟ لمَ لا تتجدد مفاهيمنا في الحياة؟ أفكار بالية مازال نول التقاليد والعادات ينسجها بخيوط قديمة، وحبل مشنقة لكل جيل يُغذي فكره بمبادئ وأسس تسمّم المستقبل في جُل المناحي.

فمع أول صرخة تتلقف يد المجتمع الفرد، وتزجّه في حضن بيئة وظروف، فتَشبّ معه وتعمل على بناء ثقافة مُستمدة من قرون مضت، حين أعطوا الفتاة دميتها،
ورُسمت الحياة على أنها(زواج) تُسأل عن موعد الزواج قبل تاريخ التخرج، عن عدد أطفالها ليغلبوا بالفخر عدداً على شهاداتها وإنجازاتها، خُيل لها أن الرجل (عريس المستقبل) مارد مصباح، في كنفه ستحقق ما حرمت من تحقيقه،
وما تمنت بسكناها للقصر وصولجانها ألماس، بينما أمسكوا بيد الطفل وأمعنوا النظر إلى لحية وشارب يمدوا أنفاسهم الأولى على براءة وجهه ويصيح عمّه مقهقهاً:
(عقبى لك أن تصبح رجلاً حين نزوجك)!

تقاليد وطقوس وممارسات كثيرة، متباينة من بيئة لأخرى، تُزرع في كل مرحلة من مراحل عمر الفرد، لتزهر فيما بعد تبعاً لوقت النضوج، وقد يكون الزواج من الساحات المهمة التي يُبرز فيها كل من الطرفين عتاد بيئته، والظروف الاجتماعية والنفسية التي عصفت به.

إن المجتمع ذاته هو من دسّ في عقل كل طرف صورة مسبقة لهذه الحياة، لكن الصورة عَبثت بها التباينات المختلفة لمحيط كل فرد، فنزعت عنها قدسيتها، والكارثة حين تعود الظروف ذاتها لتؤثر على نتاج العلاقة (الأطفال)، الكرة تتدحرج والمرض يتفشى،
فالمشكلة كانت حين لم يُعالج ركود الفكر، وانعدام الثقافة منذ الأساس، فوباء قلّة الثقة، والشارب المفتول أمام أنثى، هي مجرد آلة بشرية لتنفذ الأوامر تارة، أو جرعة رومانسية خيالية، تشربتها الفتاة أو افتقدتها في كنف العائلة،
تحملها فيما بعد لخطأ جسيم تلبية لحلم وردي، كذلك التباين في حاجات كل طرف، وجهل الآخر بها من المخاطر التي تفتك بالعلاقة، في ظلّ كتمان يبتر سبل التواصل وتدخل العائلة حتى تُعدل البنية تبعاً لما تراه مناسباً،
فتزعزع الأركان بدل أن تبنيها، إضافة إلى خيبة أمل قد تواجه الفرد بشريكه، لقلة الاهتمام وسلب الحياة، وقد تكون المادة من العوائق المهمة، أما الوصول إلى علاقة شراكة ناجحة فغير متاح لأسباب كثيرة يصعب حصرها، والمعضلات متعددة تعمل على خلق علاقات مشوهة، فما الحل؟

يمكن القول إن المفاهيم الجديدة للحياة، والخروج عن حدود المجتمع قد تُنعش وريد الأسرة بلوحة عقلانية حضارية، عن الشريك والارتباط المقدس الروحي بينهما، فالآخر من وجهة نظري هو التتمة لخريطة العمر، ليصل كلا الطرفين إلى جزيرة خاصة يكونان فيها السند الأعظم أحدهما للآخر،
بالحب والثقة المؤسسة على خطوط واضحة وأفعال صادقة، مبنية للمعلوم فعلاً وقولاً، فيصبح الساعد واحداً والهم والحلم مشتركين، ويلجأ كل منهما للآخر في كل الحالات، ويروي عطش الروح للأمان والطمأنينة،
فكل إنسان يرغب بشريك يكمل معه الرحلة بألوان سعادة زاهية لا تشوبها الغيرة العمياء والثقة المشلولة، كما يتطلع في كل مرحلة إلى أصابع تملأ فراغ كفه حين كان يمشي في درب العمر ليغدو أقوى،
انطلاقاً من هذه الحاجة الإنسانية الفطرية، يجب إعطاء العلاقة بين الجنسين والتواصل بينهما أهمية في مجتمعنا، وإقصاء بعض الأفكار التي تؤدي إلى كارثة أحياناً، فبناء علاقة ناجحة يبدأ من تصحيح أفكار الأفراد تجاه الآخر والحياة.

 

العدد 1105 - 01/5/2024