لنُخرج علاقة الرجل بالمرأة من قانون الغاب

 بما أن الإنسان بدأ حياته في الغابات مثل سائر الكائنات الحية، فقد حُكمت العلاقة بين الرجل والمرأة بقانون الغاب، قانون القوي يحكم الضعيف، ولمّا تحضّر الإنسان وبات أكثر اتصالاً بجوهرهِ الإنساني، طور مهارات التواصل مع الآخر من لغات وغيرها، وتقدم في العديد من مناحي شخصيته وعلاقاته مع المحيط، إلاّ أن علاقته بالمرأة ظلّت تخضع لأنماط وبدائية من التعامل،
وشهدنا في العصر الحديث حراكاً يطالب بتحسين وضع المرأة وتقويم نظرة الرجل إليها، ورغم تراجع أهمية القوة العضلية في العلاقات الاجتماعية والهرم الاجتماعي، إلاّ أن قوى أخرى حلت محل العضلات، منها (القوة المالية)، فقد كانت المرأة على مدى عصور تُورَّثْ مثلها مثل الأشياء،
ولم يكن قتلها أو إيذاؤها جريمة بخطورة قتل أو إيذاء رجل لرجل في الكثير من المجتمعات، وظلت تخضع للوصاية من قبل الذكور المتعددين في حياتها، وتُقدم للحبيب والزوج كل شيء تقريباً عوضاً عن محاولتها لتحقيق شخصية تتمتع بكل امتيازات الشخصية المستقلة،
وفي القرن الأخير، وعندما بدأت المرأة تسعى بشكل ملحوظ لانتزاع حقوقها ودخول ميادين الحياة كافة جنباً إلى جنب مع الرجل، باتت علاقتهما أكثر توازناً،
ولم تعد تخضع لمزاجية الرجل أو نزواته حين ارتفعت نسبة المرأة العاملة وأضحى معظم الرجال ينظرون إلى زوجاتهن العاملات اللواتي يستطعن العيش في معزل عنهم على أنهن شريكات في تجاوز مصاعب الحياة ولسن أداة متعة جسدية وخدمة منزلية فقط.

وكلما سعت الفتاة للاعتماد على نفسها وبلورة شخصيتها المستقلة، انعكس ذلك إيجاباً على علاقتها بالرجل، فالفتاة الضعيفة التي تستسلم لتسلّط الذكور في أسرتها ومحيطها الاجتماعي قد تُعاني من عُقد نفسية أو اكتئاب، أو رغبة جارفة بالخلاص من تسلطهم،
وتراكمات الأذى المعنوي الذي تعيشه يجعلها تميل لفكرة (المُخلّص) فتبحث عن رجل تُسقط عليه فكرتها، لتُحمّلَه أكثر مما يحتمل من آمال، ويتشكّل في وعيها ولا وعيها(مطالب) كتعويضها بالحنان والسعادة عمّا تعرّضت له من أذى،
وفي مرحلة الخطوبة يحاول الشاب أن يظهر كما تريده خطيبته وأكثر، وحينما تصل الفتاة إلى عش الزوجية تصطدم بواقع الحياة، وتجد أن مُخلّصها لا يختلف كثيراً عن شقيقها أو والدها، فتنزع عنه صفة المخلص وتسقطها على عشيق يخدعها، أو تعيش كآبة تنعكس على جميع أفراد أسرتها مع شعورها أنها ضحية بشكل أو بآخر.

أما المرأة القوية العاملة التي تتمتع بوعي وشخصية قوية، فلا تُعلّق كل آمالها في فضاء الآخر وكنفه، ولا تضحي بجنون وكأنها تقدم القرابين لمن بيده خلاصها، بل تمارس دورها كشريك وتفرض حضورها الفاعل في الأسرة،
وهي عموماً أكثر توازناً على الصعيد النفسي، وأكثر رصانة من الأنثى غير العاملة، التي تبقى على هوامش الحياة الاجتماعية في انتظار(العريس/المُخلص) لتهبه كل شيء، كونها ترى فيه دربها إلى السعادة.
خلاصة القول من لا يستطيع تحقيق سعادته بنفسه، لا يستطيع منح الآخرين السعادة، وفاقد الشيء لا يعطيه.

العدد 1105 - 01/5/2024