أيُّ دين حرّم الطفولة؟

في أول مرة خطونا بها ووقعنا، كان الوقوع مهمّاً لنتمرّس ونتعلّم، رُسمت الحياة على أنها مدرسة خُلقنا لننهل منها ونُجرّب فيها، وعلى كل فرد أن يطرق الأبواب للعلم بخفاياها تارة أو الخوض في دروبها إن أمكن.

كانت تجربتي في فتح أول باب، أن رشقت أسهم سؤالي، حين لم أكن أعلم لمَ رفضت تلك الطفلة في الصف الأول الابتدائي أن تمسك بيد طفل آخر، وتكمل اللعب، عدتُ إلى أمي مسرعة متسائلة: هل سيأكل يدها؟! هل هناك مرض مخفي الأعراض تنقله الأصابع؟!

فقالت: لا تنظري إلى حالها فقد شوهوا طفولتها، ألعبي معهم فهم إخوتك.

ظلّ خوفها يطارد أفكاري، فصرت أبحث عن مخالب زميلي أو أنيابه، وطال البحث وعاد السؤال يُغرّد على شفتي: لمَ؟!

قالت لي صديقتي: لا تقربي صبيان المدرسة والحي، حتى أولاد الأقارب، فقد يشوهون معالمك!!

أي فكر هذا الذي زرع البشاعة في عقل طفل أو طفلة؟!

وأي دين حَرَّمَ الطفولة؟!

قيل: لا حياء في الدين.. كما أن العلم علم وهو حاجة ماسة..

فلمَ إذاً حطّ مجتمعنا رحاله أمام باب الثقافة وبتر الساق؟!

نواري أشياء بسيطة بعظام التخلف والجهل، فيصبح الفضول سيد الموقف.

فكثيرة هي الطرق للوصول إلى ما غاب عن النظر، لكن هل ستكون كلها سليمة وصحيحة؟!

مشاكل يخلقها المجتمع بنفسه ويعاود النواح منها، يتستّر بعباءة الدين مرة والخوف مرة، لو ينظر بعين البساطة إلى أمور الحياة عامة، والثقافة أو التعرف البشري البسيط والسليم للأمور الجنسية، لما حلّ بنا وباء التجربة المقيتة على الفرد أو على المجتمع، فيكون التغير الفيزيولوجي أمراً طبيعياً مهماً، لا أمراً يدفعنا للتخفّي عن المحيط لاكتشاف مجاهل المستور.

حبذا أن نقدم لكل سؤال جواباً صحيحاً مفيداً، يناسب عقل الطفل أو الشاب، وألا نجعل الكذب أو الغضب سيد الموقف.

وعلى الرغم من حساسية المساس بالمفهوم كتابة أو حديثاً، لا بدّ من أن نشير إلى مدى أهمية بناء ثقافة جنسية حتى عند الطفل، فلكل مرحلة مفاهيمها التي تناسب المستوى، سواء كانت هذه التغذية الفكرية ضمن الأسرة أو ضمن منهاج مدرسي يرافق المتعلم خطوة بخطوة، فلا مُبهم ولا فعل مُخلّ لأنه السر الإلهي وراء استمرار البشرية حتى اليوم، وكل شيء ضمن حدود المعرفة والعلم بمعلومات بسيطة تفيد الفضول الفطري، وتحذر من الآثار السلبية، وتضع الأمراض أو المخاطر ضمن دائرة المعرفة.

وكل هذا لا يصب في بوتقة التشجيع على الفعل أو لفت النظر إليه بقدر الحرص على الجيل والأخلاق، الذي أراده الباحثون الاجتماعيون والنفسيون بعد العديد من الدراسات والبحوث.

فمن أجل مجتمع سليم معافى علينا أن نرتقي أولاً، ونجعل العلم مقود السفينة وليس معتقدات أجيال مضت، تُعاد لتمسك بزمام حياتنا وقد مضى من السنين ما مضى والتطور يتسارع يوماً بعد يوم!

العدد 1105 - 01/5/2024