حياتنا الجنسية بين الظلمة والنور

في أواخر سبعينيات القرن الفائت… لم يكن ثمة إنترنت أو موبايلات، أو لاب توب أو كومبيوتر، ولا بث فضائي تدخل عبره إلى فضاء افتراضي يعطيك كل ما تبحث عنه، بل إن التلفزيون العادي، الأبيض والأسود، الذي لا يقدم سوى خيارات محدودة لم يكن متاحاً للفقراء. لكن الوحش الجنسي الذي يستيقظ في المراهق، الوحش الذي يجب أن تسدل عليه الستائر خجلاً، ومراعاة للأعراف والشرائع، كان يدفعنا إلى اكتشاف هذه اللذة الممنوعة بطرائق شتى.

كانت المجلات الفنية الرائجة آنذاك مثل (الشبكة) و(الموعد) و(ألوان) وغيرها تصل من لبنان إلى بلدتنا النائية متأخرة لشهور أحياناً وفيها صور الفنانات والعارضات وعليهن ما خف من الثياب، وكانت غالية نسبة إلى (خرجياتنا) البائسة، لكننا كنا لا نعدم الحيلة في الحصول عليها بالتناوب بيننا، ليعيش كل منا قصة حب عاصفة مع واحدة من تلك النجمات البعيدات.

لكن (الأخطر) من هذه المجلات كانت مجلة علمية رصينة استمرت في الصدور لعقود، إنها مجلة (طبيبك) للدكتور القدير صبري القباني، وكانت كل المجلة لا تهمنا سوى الصفحات التي يجيب فيها الطبيب عن مشاكل جنسية، يرسلها اليه قراء وقارئات بصراحة ومباشرة، ويجيب عليها الطبيب بالوضوح ذاته، فكانت تفتح آفاق مخيلاتنا الجنسية الغضة.

كانت مجلة (طبيبك) منشورنا السري الذي نتداوله ونخبئه تحت الأسرّة، وننقل مشاكل الجنس المطروحة فيها إلى حلقات النقاش السرية بيننا. والكارثة كانت حين يكتشف أحد الكبار من العائلة وجود هذه (الأسلحة المُحرّمة) عندنا، علماً أنه يكون من أشد المتابعين لها (سراً طبعاً).

مُدرّس العلوم في البكالوريا كان حين يُدرّسنا بحثاً عن التكاثر الجنسي وليس التربية الجنسية طبعاً، يمضيه تهكماً وتندراً على موضوع الأعضاء الجنسية، ومظاهر النضوج الجنسي، وآلية التكاثر ليداري كبته وكبتنا حيال هذا الموضوع.

هذا الحظر الاجتماعي والديني، على موضوع غريزي طبيعي موجود لدى كل الكائنات، خلق وما زال يخلق بشراً مشوهين، مهما بلغ وعيهم مستقبلاً لهذه الظواهر، لأن التشوّه بدأ في مرحلة التكوين الجنسي الأولى.

لذلك لا تستغرب أن يمارس مثقف أو فنان تشوهاته (الخلقية) التي أصابته في مرحلة التكوين الجنسي على الزوجة أو الخليلة، في حين يستطيع أن ينظّر في موضوع الجنس والحياة الجنسية السليمة والعلاقة بين الجنسين، وطبيعتها، وتطورها، أكثر من أي باحث مختص. وما قلناه عن الذكور ينطبق على الإناث بدرجة أكبر وأقوى بسبب قلّة فرص الاطلاع حتى على هذه المصادر الشحيحة التي كُنّا نلجأ إليها، بل انعدامها غالباً لدى الفتيات وارتفاع نسبة الأمية لديهن.

لذا يرتبط موضوع الممارسة الجنسية بالعتمة وإطفاء الأضواء، حتى هذه اللحظات الحميمية، يتمُّ التعتيم عليها بين الشريكين لمداراة الخجل وكأنهما يرتكبان إثماً، بل كأنه من الكبائر.. والعياذ بالله.

ما يحصل بعد أربعين عاماً من الحكاية هو انفتاح بلا حدود بفضل توفر وسائل التواصل والنت والموبايل… الخ، لكن الاستخدام غير الواعي والسري لهذه الوسائل يجعل تأثيرها سلبياً، ومُكرّساً للتشوهات نفسها، لكن بمظاهر أكثر شدّة وعنفاً.

إن فتح الموضوع للنقاش العام في وسائل الاتصال وفي المناهج الدراسية، عبر مختصين لا عقد لديهم، تجاه ذكر اسم العضو الجنسي أو اسم العملية الجنسية كما هو عندنا الآن، هنا هو الطريق السليم الوحيد للبدء في تبديد هذه الفوبيا الكاذبة لدينا من موضوع يعيشه الجميع، ويتحاشون الحديث فيه أو مناقشته، ومناقشة مشاكله علناً وبشكل علمي، فيكون اللجوء إلى قنوات البورنو أو إلى مشعوذين ونصابين يدّعون علاج مشاكل الجنس عبر قنوات فضائية مجهولة المنشأ.

العدد 1105 - 01/5/2024