المرأة… بين آلهة وهاوية..!

ألمحها آلهة الأمومة الأكبر، ذاتها الأرض العظمى. تتقن الحياة وتجددها، تُبنى لمحياها المعابد وتقدم القرابين..! ألمحُ التاريخ يقدسها، ألمحُه يكذبُ مجاهراً، يسقطها من عرشها السماوي.

تخضع لسلطة الرجل، تغدو مرآة شرفه وأخلاقه، تغيّبُ هالاتها دهور من الهزائم. تُسلب، والذكر يبلغُ سدة الحكم في الأرض والسماء.

هاهي مواطنة الدرجة الثالثة، تتجرع في كل مناسبة ضوئية حبوب (نصف المجتمع)، وتبتسم لحريتها.

في الحقيقة نرى النساء يتفاوتن بين الحرة والجارية في غرفِ الحرملك. الحرة جارية، والجارية حرة، والسلعة الأثمن تباع وتشرى على قارعات المصالح وفي أسواق المستثقفين. لتعيش الأضعف منهن في قيعان مستنقعات المجتمعات المنافقة. إنه عصر الوأد الأخبث.

في كتابه (التخلّف الاجتماعي) يصف مصطفى حجازي المرأة بأنها (العنصر الأشدّ تلقياً للظلم والقهر في المجتمع، وهي أوضح مثال للإنسان المقهور، فالعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع المتخلّف تلعب دوراً هاماً من الناحية الدفاعية، حيث يتهرب الرجل من مأزقه بتحميل المرأة كل مظاهر النقص والمهانة التي يشكو منها في علاقته بالمتسلط وقهره، والطبيعة واعتباطها، ولذلك يفرض على المرأة أكثر المواقع عبثاً في المجتمع المتخلف، إنها محط إسقاطات الرجل السلبية والإيجابية على حدّ سواء، وهي تُدفع نتيجة لذلك إلى أقصى حالات التخلّف، ولكنها من هوة تخلّفها وقهرها ترسّخ تخلف البنية الاجتماعية من خلال ما تغرسه في نفوس أطفالها من خرافة وانفعالية ورضوخ).

القضية ليست قضية امراة وحقوقٍ ومطالبة، إنها قضية تخلفٍ شامل لبيئة مقلقلة. إنه الفقر المشوه الذي تعانيه مجتمعاتنا منذ أزمنة. هذا التفاوت الاجتماعي بين الغنى المتكاثر، والعوز المضني. بين صمتِ القهر وصراخ القوانين البائتة.

إن ما تحتاج إليه المرأة هو الاحترام والمودة مع الرجل. الرجل ضحية مجتمعه هو الآخر، يتشاركان الدور.

ولأنه ذكوري هذا المجتمع يكون التسلط العدواني على المرأة، إنه غياب العاطفة الإنسانية، وسيادة روح القهر أو الذل في المجتمع.

لكن خضوع المرأة لدكتاتورية الرجل وتبنيها للصبر أمام طغيانه: التماهي في سلطة الأقوى، أول أسباب اضطهادها.

 يليه قصور البعد الفكري المنهجي الفعال في حلّ مشكلاتها، لا تنفع دائماً المعالجات الفقهية الاجتهادية فتظلم في إرثها وشهادتها. في اختيار أن تكون الزوجة الوحيدة، أو أن توازيه في طلاقها.

كثيراتٌ حين يجتمعن في مؤتمرات تخصهن، يفضن في الحديث عن إسقاط كلمة (عورة) من قاموس المجتمعات. يرفضن النقاب ويطالبن بمنع الزواج بثانية، باحترام قدسية التساوي بين الجنسين.

و ينسينَ أن المساواة تحتاج اعتدالاً اجتماعياً. كيف تستطيع نساء أن تنلن حقوقهن وأبواب السحرة على مصراعيها لخطواتهن، والكلمات لجلب الغائب وحل العقد على ألسنتهن؟

كيف تدخل النساء عالم الرجل وتنافسه، وأبعد أهدافها عاطفي وأسروي؟!

كيف تتجاوزن تفوق الرجال عليهن، وهن متمزقات متفرقات الشمل، ثائرات في عوالم الفتن والثرثرة؟

كيف تتملكن مساحة الرأي وبعضهن تسعين لإشباع ذواتهن بالاستهلاك المستديم؟

كيف تتطور النساء فكرياً، كيف تنهضن بالمجتمع حينَ تكنّ منكفآت الذات. ترفضن اختلاف الأخريات؟

أن تقطع خيوط يديها وقدميها، أن تقبل بمسارها المتعثر إلى الكينونة المثلى، المرأةُ آلهة أم جارية، مسألة اختيار وقرار. تعاضد واستمرار.

تلكَ التي تُنعت بنصفٍ للمجتمع عليها أن تدركَ أنها نبضُ نصفهِ الثاني.

العدد 1105 - 01/5/2024