نشوء رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة

لعب نشاط الجمعيات النسائية في سورية في فترة ما قبل الاستقلال وبعده، وكذلك نشاط الهيئات واللجان النسائية والنوادي الأدبية التي انتشرت في عدد من المدن والمناطق السورية، دوراً مؤثراً في حياة المرأة السورية التي كانت تعيش ظروفاً صعبة نتيجة الجهل والتخلف والعبودية والتبعية المطلقة للرجل.

ولابد من التنويه عند الحديث عن هذه الجمعيات النسائية، أن هناك فارقاً كبيراً يميز من حيث الجوهر الجمعية أو الهيئة أو  اللجنة عن الحركة النسائية.. فالجمعية أو الهيئة أو اللجنة هو الوجود العيني للنساء في تجمع ما، بينما الحركة النسائية لابد أن تحمل وعياً واستراتيجية نسائية تدافع من خلالها عن موقع المرأة ودورها في المجتمع والدولة، وبلورة مطالب جذرية أعم وأشمل تتجه إلى خلق تغيير اجتماعي حقيقي.

لمحة موجزة عن نشاط رابطة النساء السوريات قبل الاستقلال وبعده

في الثامن والعشرين من تشرين الثاني عام 1948 تنادى عدد من النساء السوريات التقدميات في دمشق والمحافظات السوريات الأخرى، وشكلن رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة، كمنظمة نسائية تناضل من أجل حقوق المرأة والأسرة والمجتمع.

وقد شكل تأسيس الرابطة قبل سبعة وستين عاماً في ظروف اجتماعية معقدة خطوة إلى الأمام كتنظيم نسائي من نوع جديد بمحتواه ونضالاته الديمقراطية والتقدمية.

كرست الرابطة جهوداً بحدود إمكاناتها للدفاع عن حقوق المرأة السورية الكادحة في المدينة والريف، وعملت على توطيد الأسرة، وحماية الطفولة، وناضلت لضمان حقوق العاملات والفلاحات وسائر النساء الكادحات ولنشر الحريات الديمقراطية في البلاد، كما ساهمت بنشر أفكار الاشتراكية العلمية.

كانت الرابطة من المنظمات النسائية الأولى التي انضمت إلى الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، وساهمت في نشاطاته من أجل دعم قضية المرأة في العالم، ونضالاتها من أجل السلام ونصرة الشعوب المناضلة ضد الاستعمار، وفي سبيل تحررها السياسي واختيار طريق تطورها المستقل، فأيدت حركات التحرر الوطني، وكافحت ضد مشاريع الإمبريالية والصهيونية والرجعية، ومن أجل سلم وطيد ودائم.

وتعرضت العديد من الرابطيات السوريات إلى الاضطهاد في عهد الديكتاتوريات والإرهاب، وزج ببعضهن في السجون، وقد عبرت الرابطة عن مواقفها منذ عام 1948 في النداءات والبيانات والمذكرات وعرائض الاحتجاج التي كانت تعكس المطالب الأساسية لجماهير شعبنا، وخصوصاً جماهير النساء.

كانت الرابطة تسعى إلى توسيع القاعدة الشعبية لهذه النشاطات، ولجذب المرأة إلى العمل السياسي والاجتماعي، فكان أول مطلب سياسي لها حق المرأة السورية في الانتخاب والترشيح.

المؤتمران التأسيسي والأول لرابطة النساء السوريات

كانت النساء اللاتي تداعين لعقد المؤتمر التأسيسي للرابطة في دمشق عام 1949 بعد عام كامل من نشوئها ونضالها، يتمتعن بروح نضالية عالية وآفاق مستقبلية وعزم وتصميم ساعدهن على إعلان الولادة الرسمية لرابطتنا، ولا يسعنا إلا أن نشيد بأولئك المناضلات من رائدات الحركة النسائية التقدمية نذكر منهن:

آمنة السباعي، سلمى البني، أمينة العارف، عفاف ملا رسول، توفيقة شوحي، نادرة مللي، نوزت حسامي، مقبولة الشلق، ماري ديراني، فضة غندور حلال، كارولين عويشق، أسماء الحمصي، فوزية الزعيم، وغيرهن.

وفي البيان الذي صدر عن المؤتمر التأسيسي، أكدت المندوبات أن الطريق التي يسكلنها طريق صعبة، ولكنهن عازمات على مواجهة الصعاب، من أجل حصول المرأة على حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب الأهداف الأخرى.

حددت المنظمة الفتية التي آمنت بأن تحرر المرأة مرتبط بتحرير المجتمع وتقدمه، الأهداف التالية لنضالها في مؤتمرها التأسيسي:

1- حق المرأة في الانتخاب والترشيح.

2- رفع مستوى المرأة والدفاع عن حقوقها في المدينة والريف.

3- العمل على توطيد الأسرة وحماية الأمومة والطفولة.

4- النضال في المجال النقابي لضمان حقوق العاملات.

5- تأييد حركات التحرر العربية والعالمية.

6- نشر أفكار الاشتراكية العلمية.

7- العمل من أجل سلم وطيد وغد أفضل.

وفي المؤتمر الأول للرابطة الذي عقد في دمشق عام 1953 شاركت مندوبات من معظم المحافظات السورية، كان لهن علاقات فعلية مع جماهير النساء في المعامل والقرى وفي المدارس والمنازل، ومطلعات على أوضاعهن الصعبة، وقد انعكس هذا في القرارات والتوجهات التي أقرها المؤتمر، ومنها:

1- العمل على زيادة دور جماهير النساء في حياة البلاد.

2- رفع مستواهن الثقافي والاجتماعي والسياسي.

3- تطبيق قانون التعليم الإلزامي للإناث والذكور.

4- العمل على مكافحة الأمية المنتشرة في أوساط واسعة من النساء.

5- توفير دور حضانة ورياض لأطفال العاملات والموظفات.

6- إيجاد مراكز توليد ومستوصفات صحية في الريف وغيرها.

انطلقت الرابطة إلى خارج محيطها باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من هذا العالم للمساهمة في رفع صوت المرأة السورية من خلال مشاركتها في المؤتمرات العالمية، خاصة تلك التي عقدها الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، والتي بلغت نحو ثلاثين مؤتمراً عالمياً.

ولابد من التنويه بأن الرابطة حازت عام 1970 على وسام (أوجيني كوتون)، عالمة الفيزياء البارزة والمرموقة في  الحركة النسائية العالمية، ورئيسة الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي سابقاً ولسنوات طويلة تقديراً لنشاطها في شتى الميادين.

نالت المرأة السورية لأول مرة حقها في (الانتخابات دون الترشيح) عام 1949 بعد نضال طويل، وحصره بالمتعلمات من النساء أيام الزعيم سامي الحناوي وحكومة هاشم الأتاسي، وهكذا أتى الحق ناقصاً، مما أثار اعتراض الرابطة، فعدد المتعلمات في حينه كان قليلاً، بينما كان الرجل الأمي ليس له حق الانتخاب فقط بل والترشيح أيضاً.

وبعد مطالبات عديدة من الرابطة والجمعيات النسائية، توسع هذا الحق عام 1953 فشمل الانتخابات والترشيح، وقد تم ذلك في عهد ديكتاتورية العقيد أديب الشيشكلي، وترشحت في حينه السيدة ثريا الحافظ، إحدى رائدات الحركة النسائية، ولكنها لم تنجح، لأن منح المرأة هذا الحق كان تظاهراً بالتقدمية دون رغبة حقيقية في تحقيق ذلك.

وبعد سقوط الحكم الديكتاتوري في سورية وعودة الحياة البرلمانية، ساهمت الرابطة بنشاط في الحملة الانتخابية في أيلول وتشرين الثاني عام 1954 في ظل حكومة سعيد الغزي، وكان لها دور بارز في هذه الانتخابات.

كان المؤتمران التأسيسي والأول نقطة البداية، وكانا المنطلق والحافز، ثم عقدت الرابطة عدداً من المؤتمرات إلى جانب مجالس الرابطة التي كانت تعقدها كل عام.

كانت الرابطة تواكب تطلعات المرأة، ترسم الطريق، تكتب العرائض، ترفع صوت المرأة عالياً، وفي الوقت نفسه كانت مع المرأة في القرية والأحياء الفقيرة تعمل على محو الأمية والتدريب المهني، والخدمات الطبية وغيرها.. لكنها لم تتمكن هي وغيرها من التنظيمات النسائية من تغطية حاجات المرأة السورية التي كانت كثيرة وكبيرة في حينه وبحاجة إلى جهود شاملة.

«صوت المرأة»

صدر العدد الأول من (صوت المرأة)، النشرة التي كانت تصدرها الرابطة في شهر أيار عام ،1967 ورغم تواضع هذه النشرة وضيق إمكاناتها فقد اختلفت عن الصورة التقليدية للصحافة النسائية الأخرى. كانت تتضمن دراسات وأبحاثاً ومقالات سياسية وأخباراً ونشاطات وشعراً، وزاوية طبية، وتكرس أعداداً خاصة لمناسبات وطنية وأممية كيوم الجلاء، ومعركة ميسلون، والثامن من آذار يوم المرأة العالمي، ويوم الطفل العالمي، والأول من أيار يوم العمال العالمي.

وقد عبرت الرابطة دائماً عن الموقف المبدئي والعملي تجاه مسألة التعاون مع التنظيمات النسائية السورية والعربية الشقيقة، كما أنها حافظت على علاقات أممية وثقافية مع المنظمات النسائية والديمقراطية في العالم.

العدد 1104 - 24/4/2024