دعم المقاومة الفلسطينية اقتصادياً

 تشير البوصلة الفلسطينية إلى تململ واضح للشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الاستيطاني الغاصب للأرض، وإلى أن تسارع الأحداث والمواجهات اليومية تنبئ بانفجار انتفاضة شعبية ثالثة، متجاوزة بذلك سلطة رام الله الغافية على وسادة أوسلو المشينة.. وهذه الانتفاضة في حال وقوعها تحتاج إلى إسناد عربي، لتكون قابلة للديمومة والاستمرار، ومن البديهي أن يكون دعم الاقتصاد الفلسطيني على سلم أولويات العرب. صحيح أن العرب هم طرف أساسي في هذا الاشتباك ضد الصهاينة، لكن بوصلتهم تتجه إلى إحناء الجباه لأفكار أمريكا.

هناك مجموعة من الرؤى حكمت الساحة الفلسطينية لفترات طويلة، لعل الوقت قد حان لأن تولد تجربة ورؤيا فلسطينية جديدة.

يعرف الطفل الفلسطيني أن خيار أوسلو قد أعطى إجازة لأفكار اللاهثين نحو سلام كاذب بقدمين عاريتين وصدر مكشوف، ويدرك بالمحسوس أن هذا الخيار الصدئ هو خيار مدمر.. ببساطة لقد أخرجت اتفاقيات التسوية الأراضي المحتلة عام 1948 من دائرة المناقشة، وأقرت ملكيتها للعدو الصهيوني، وانحصرت دائرة النقاش في أرض الضفة الغربية وقطاع غزة، ومما يخشى منه ألا يجد المفاوض اللاهث لاحقاً ما يفاوض عليه.

إن المقاومة هي الجزء الأكثر عافية في الجسم الفلسطيني المعتل، لأن الفلسطيني قد عرف على أي كتف يسند رأسه، وعلى أي منبر يعلن خطابه النضالي سلماً أو مقاومة، لأن الطقس العربي اليوم يمر بالمجهول. مادام العرب قد أخرجوا من رؤوسهم الاشتباك المسلح مع العدو الصهيوني، فإن هناك خياراً لتحقيق المسار الفلسطيني نحو العودة والتحرير، هو فك الروابط الاقتصادية مع العدو الصهيوني وأن يخلو محلها بروابط متكافئة وقائمة على العدل مع الدول العربية وغيرها من دول العالم.

لكن فك الروابط الاقتصادية مع العدو عملية معقدة، لكنها ممكنة تماماً في جانب منها، وإذا بدأنا بقطاع الصناعة الذي يشكل المخرج الأكثر أهمية للاقتصاد الفلسطيني الذي يفتقد لإمكانات زراعية كبيرة وتكلفة اقتصادية، فهي تعتمد على آلات ومعدات أو سلع وسيطة أو مواد خام تأتي من العدو، وسوف تتحمل تكاليف متفاوتة ثمناً لفك روابطها مع الاقتصاد الصهيوني والتحول إلى صياغة علاقات بديلة مع مؤسسات اقتصادية وأسواق عربية أو أوربية.

هناك اتجاهات رئيسية يمكن للعرب أن يعملوا عبرها على بناء الاقتصاد الفلسطيني ودعم قدرته على مواجهة الصهاينة، لتمكين الشعب الفلسطيني من تصعيد نضاله وتعزيز صموده، حتى تبقى جذوته مشتعلة:

1- ضرورة فتح الأسواق العربية للسلع الفلسطينية، إذ يعتبر فتح أسواق خارجية لتسويق المنتجات الفلسطينية حافزاً لنمو الاقتصاد الفلسطيني، لذلك فإن الأسواق العربية يجب أن تفتح فعلياً أمام الصادرات الفلسطينية التي تشمل الخضراوات والموالح والزهور والرخام والحلوى والجلود والأحذية، لذلك نقول إن الدول العربية عليها أن تقدم دعماً حقيقياً للاقتصاد الفلسطيني ولعملية بناء استقلاله بأن تزيل كل العوائق الجمركية من أمام الصادرات الفلسطينية، وهذه الصادرات لا يدخل فيها أي مكون صهيوني.

2- فك الروابط التجارية بين الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي)، فإن السلع التي يستوردها الشعب الفلسطيني من العدو لها بدائل في البلاد العربية وأوربا ودول أخرى، لأنه ليس من المعقول أن يستورد الفلسطيني السلع من إسرائيل، فهو يسهم في تعزيز نموها الاقتصادي، وبالتالي قدرته الشاملة التي استخدمتها دائماً في تعزيز احتلالها لفلسطين واستخدامها أيضاً في تمويل عمليات القمع التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني.

3- فك الروابط الفلسطينية مع اقتصاد العدو في مجال العمالة.. إن هذا الأمر يعني ضرورة توفير فرص عمل لنحو 50 ألف عامل فلسطيني يعملون بصورة رسمية مع الصهاينة، وفرص عمل نحو 380 ألف من العاطلين الذين يشكلون نحو 50% من قوة العمل الفلسطيني في الضفة وغزة. هناك خياران لمعالجة آثار فك روابط الاقتصاد الفلسطيني مع اقتصاد العدو في مجال العمالة:

الأول- إرسال العمالة الفلسطينية إلى الدول العربية، وهذا خيار سلبي، لأن إرسال المزيد من أبناء الشعب الفلسطيني إلى الشتات، في حين أن ضرورات الاستقلال الفلسطيني تتطلب بقاءهم في أرضهم والمشاركة في النضال من أجل الاستقلال، وبضمن العمل على بناء اقتصاد فلسطيني قوي.

الثاني- يقوم على تمويل بناء مشروعات صناعية وخدمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ،1967 لاستيعاب العمالة التي كانت تتوجه إلى العدو، وامتصاص البطالة الكبيرة من أبناء فلسطين، وهذا الخيار لا يتحقق إلا من خلال ضخ الاستثمارات إلى قطاع غزة والضفة وضمنها القدس.

وكنموذج فإن بعض رجال الأعمال من الشعب الفلسطيني، الموجودين خارج فلسطين، قد شكلوا الشركة الفلسطينية للتنمية والاستثمار، وقد ركزت هذه الشركة على المشروعات الكبيرة مثل المنطقة الصناعية في غزة، حيث ضخت هذه الشركة 40 مليون دولار لهذا المشروع، وأقامت مشروعات سياحية في القدس بقيمة 25 مليون دولار، كما أسهمت الشركة مع البنك العربي وشركة اتحاد المقاولين في مشروع الكهرباء لتلبية الاحتياجات الفلسطينية من الكهرباء والانفصال في هذا المجال عن الصهاينة، كما شاركت مع السلطات الفلسطينية، من أجل تأسيس شركة الاتصالات الفلسطينية للانفصال في هذا المجال عن الصهاينة.

4- إنشاء صندوق عربي لإنماء فلسطين: يحتاج الشعب الفلسطيني إلى تيار من المساعدات المنتظمة سنوياً تقوم بتمويلها البلاد العربية النفطية الغنية بالأساس، ويمكن لهذه الدول أن تؤسس صندوقاً عربياً تكرس موارده لبناء مشروعات صناعية وخدمية تستوعب العمالة الفلسطينية وتخلق بناء اقتصادياً فلسطينياً عربياً قوياً، وتكرس موارده أيضاً لتقديم قروض طويلة الأجل من دون فائدة أو بفائدة ميسرة، وذلك لاستخدامها في تمويل مشروعات إنتاجية في الأراضي المحتلة عام ،1967 لإنهاء الروابط الاقتصادية الفلسطينية مع الاقتصاد الصهيوني وإحلال روابط متكافئة مع الاقتصاديات العربية محلها.

وهذا التمويل العربي المطلوب لمثل هذا الصندوق من السهل توفيره من الدول العربية النفطية، وذلك بفرض نصف دولار على كل برميل من صادرات الدول النفطية في الخليج وليبيا لوفر نحو 5,2 مليار دولار في العام، يمكنها أن تغير مسار الاقتصاد الفلسطيني، وتساهم في ديمومة كفاحه الطويل واستمراره، ولو كرست هذه العائدات لصالح فلسطين لمدة 3 سنوات فقط، تعتمد آلية لإنقاذ إخوة عرب آخرين من التمزق والفقر والجوع، كما هو الحال في الصومال مثلاً.

العدد 1105 - 01/5/2024