انفصام

عندما بدأت التفكير بالموضوع، كان أول ما راود ذاكرتي جملةُ أحدهم: (أنا تحكمني مَرة؟!)، لمجرد قولي إن طموحي لا يقف ربما على وظيفة. وأضفت بطريقة ساخرة: وماذا ينقصني لأكون من قادة المجتمع في المعترك السياسي؟

كانت المشكلة في هذا الموقف أو حتى في أي موقف مشابه تكمن في مفهوم العمل السياسي، إذ يتمثّل للبعض بكونه أعمالاً شّاقة أو خارقة للعادة تحتاج إلى عضلات مفتولة وشوارب كثيفة، كما أنه يحتاج إلى صبر وقوة وذهن مُتفرغ، وقلب ميت لا تحكمه العواطف.

توصيفات عديدة وقوالب مختلفة جَمّدْنا بها النظرة إلى المجال السياسي، لذلك نحكم بأن الأجدر على شق عباب السياسة هو الرجل، سواء في منصب الرئاسة أو حتى ضمن الدائرة الأصغر(الحزب). ومن هنا، فقد أشارت بعض الإحصائيات إلى أن نسبة حضور المرأة في المناصب الحزبية 10% فقط، في حين أن نسبة النساء ضمن صفوف الحزب تتجاوز40% في بعض الأحيان وليس تعميماً.

لكن الفكرة تكمن في أننا لو دققنا في المهام الموكلة للمرأة لوجدنا أنها خُصصت فقط لقضايا المرأة وكل ما يخص الأسرة، وكأنها، بعد سنوات دراستها الطويلة وثقافتها العالية، ما زالت بنظر المجتمع لا تفقه شيئاً إلاّ بتلك القضايا… فلماذا؟

لماذا؟ أقولها لكن في رأسي ألف سؤال

لمَ هذه النظرة المتعالية تجاه المرأة؟

لماذا لا نتغيّر أو نحاول التفكير بعقولنا؟

لماذا سيكون جوابنا في كل قضية تخص المرأة (إنه المجتمع وهذه عاداتنا!)؟

قد يكون الجواب إن أردنا إنصاف المرأة في كل كرسي قيادي في هذا المجتمع لتحوّل التمثيل السياسي للأمة إلى كعكة العيد، كلٌ يريد الحصة الأكبر وضاع الهدف!

 هل من المعقول أن مشاركة المرأة سوف تُخلّ بالموازين وتوازن المجتمع لهذا الحد؟!

تمسكنا بالعادات والأعراف المجتمعية واتخاذ شروح النصوص الدينية يجب أن يكون بالمعنى الأقرب إلى المصلحة حتى لو كان الأبعد عن المقصد والغاية الربانية، إضافة إلى أن الثقافة المدنية والديمقراطية مُضمحلّة في مجتمعاتنا العربية، وحقوق المواطنة ركيكة غير مُدعّمة أو لا نقيم لوجودها وزناً، ولعلّها من الأسباب المهمة التي تقف وراء الظواهر السلبية لاسيما المتعلّقة بالمرأة.

العدد 1105 - 01/5/2024