سماء الوطن تحتاج إلى جبر!

 لم يكُ العلم ضرورة قصوى كما هو اليوم، ولم يكُ الزمن الماضي زمن علمٍ بحت.

سيطرت الحياة البسيطة سنيناً طوال على الغالبية العظمى من الشعوب، وكانت حياتهم شبه مستقرة لا تحتاج إلى كسر روتين، إلا أننا نرى في الضّفة الأخرى من المجتمع أعضاء الأحزاب الذين نشؤوا في ظلّ الاحتلالات، اعتُبر أولئك من ضمن أولى التكتّلات العربيّة ضدّ الاستعمار، إذ لجؤوا للعلم والثقافة، واختاروا الأسلوب الرّاقي للتعامل بدلاً من السلاح والدمار في الحروب، وبعد ذلك دخل العلم معظم أزقّة الحياة، وأصبح ضرورياً سواء في الحياة العمليّة أو في النظريات. وجدير بالذكر العنصرية التي كانت موجودة بخصوص عمل وتعليم الإناث الذي ما زال إلى اليوم لكن بنسبة أقل بكثير مما سبق فقد كان يستحيل على المرأة التعلّم. إلا أنّه وفي ظلّ الحروب أصبح من الضروريّ وجود ممرضات تساعد الجرحى، وتشارك بحمل جزء بسيط من المسؤولية، إلى أن أمسى العلم والتعلّم حاجة لازمة وضرورية لكلّ إنسان. بعد الاستقلال وتنظيف البلاد من عوالق الفساد، ازداد الاهتمام في دعم العلم والمتعلمين، خصوصاً في بداية ازدهار الدولة. وما ميّز قطّاع التعليم في سورية أنّه مجاني في المراحل اللازمة لكلّ الطلاب..

لنتغلغل قليلاً في داخل القضايا الاجتماعية في سورية والوطن العربي.

يعيش الوطن العربي تحت خيام الدّين بكل تنوعه واختلافه، ويسيطر الدين سيطرة كبيرة على سير الحياة اليومية لدى العرب

لذا السؤال الذي يطرح نفسه: ما دور الدين اليوم في النظام الدولي السياسي؟

لم تكن سورية دولة طائفية بحتة، فهي بجميع الأحوال لاتحتوي على تنوّع دينيّ، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ المذاهب المتنوعة في كلّ دين كان لها دوراً حسب كل المعتقدات المتعلقة بمذهب معيّن، فقد حافظ الوضع على استقراره فترة طويلة إلى أن وصلنا للوضع الرّاهن.

ساهم ذوو المصلحة بإيقاظ تلك النزعات الطائفية الذي جرى إخمادها في السنين الماضية، ليصبح الدين اليوم السبب الرئيسي في كلّ مايحصل في سورية، وأكبر دليل الموجود في رأس القائمة- تنظيم الدولة الإسلامي (داعش) – الذي زعزع الشعور بالأمان في سورية وخارجها..

هذا التنظيم الذي يقتل ويذبح ويهتك عرض الناس، يعتبر قضيته هي المدافعة عن دين الله وتوحيده!

لم يعد ما يهمّ اليوم ما الحال الذي يجب أن تكون عليها السلطة بل المهم، هو مَن مِن الطوائف ستجازف حتى تفوز بها! لن نكذب حين نقول أنّه من المعيب في زمن مواكبة الحضارة والرقيّ أن نعمل نحن على إرجاع زمن التخلف إلى جذوره!

تتذابح الطوائف للوصول إلى السلطة دون أن يعرف أحد منهم مدى حاجة الشعب اليوم إلى حكم ديمقراطي راقي يرأف بالشعب ويحقن دماءه،

نظام يعمل على تحقيق مصالحهم بأدنى الخسارات الممكنة النفسية والجسدية..

نحتاج إلى سلطة بعيدة كلّ البعد عن اختلافات الأديان والسّاسة الماديين والبرجوازيين..

نحتاج إلى ثقافة تصل بنا إلى سلامٍ نفسيّ قبل الدوليّ!

نحتاج إلى العلمانية التي نفتقدها بكلّ بروتوكلات الحياة العملية والعلميّة

نحتاج إلى أنظمة وقوانين تردع داخلنا قبل تصرفاتنا! فلمرضى فقر الدمّ يلزم العلاج بالغذاء

شعبنا يعاني من فقر في ثقافة السلام والعلمانية، فهل من دواء؟!

كلّ مذهب قسّم جزءاً من سماء سورية..

ما زلنا يا شعبي السّوري على الأرض نفسها وفي الوطن ذاته.. فكفى تقسيم.. سماء سورية تحتاج إلى جبر!

إلى جبر خاطرٍ وجبر كسر..

العدد 1105 - 01/5/2024