أنت لي

أنت لي
غزل حسين المصطفى
مجرد مرور الاسم أمامي كان كفيلا بأن ينتفض قلبي خافقاً، حرارتي الداخلية تُشعل وجهي، تراود روحي روائح لذيذة لا أعلم ما هي، في كل مرة أخلد لنفسي أرى تفاصيله تغزو تفكيري، كل ما كنت أملكه هو شاشة مُضيئة أختلس فيها النظر لحياته، قد تبدو مُملّة تلك الأشياء التي أُغرق نفسي بها، لكني أحب أن أعيش المشهد بأدق مُكوناته حتى أن نوع العطر التي تستخدمه تلك النحيلة رغد كان يشغل تفكيري، وكي أصل النهاية، وصلت ليلي بنهاري على مدار ثلاثة أيام حتى فرغت من 1800 صفحة مع متابعة أعمالي اليومية.
رغم صعوبة لحظة الفراق وإعلان النهاية لحالة جميلة وعالم من مشاعر توغّلت به مع هذه الرواية (أنت لي) إلاّ أن عيوني كانت وحدها في سعادة مُفرطة، فقد تخلّصت من مجهود مُدمي لتمييز الحروف الصغيرة خلف شاشة جهاز الهاتف الخليويّ
رواية على هيئة ملف رقمي مُخزّن عندي حرمتني من رائحة الورق عندما يُنزع عنه التغليف البلاستيكي ويطلق صرخته الأولى في مجابهة العوامل المحيطة.
كم مرة شعرة بحاجة لأن أضمها لصدري علّ رغد تسمع الحقيقة من بين شراييني، لكن لم أستطع لذلك سبيلاً، حتى أن متعة الوصول للصفحة الأخيرة لم تكن كما العادة، فلم أجد مكان حتى أضع توقيعي واسمي وتاريخ النهاية حين وصلتني، تلك هي ضريبة عدم حيازة الرواية بهيئة ورقية…
فكرة أن تكون قارئا أو مُحبا للقراءة في هذا الزمن تعني أن تكون شخصا مُنتفخ الجيوب نوعاً ما لتستطيع إغناء مكتبتك البسيطة ببعض الاختيارات التي تُحب، أو أن تكون مُتصيّدا٠ للمحلات التي تبيع المستعمل أو ما هو رخيص، ولكن كل هذه الحيل لن تجعلك تهرب من مواجهة كتاب جميل بسعر لا يناسب قروش طالب جامعي، لذلك اغتنام الحيل البديلة إن وجدت فكرة لا بأس بها رغم قناعتي وإيماني أن الكتاب هو الأفضل.
في ظلّ وجود نشاط تشهده مكتبة الأسد من خلال احتضانها لمعرض الكتاب الدولي، كل الأخبار التي نسمعها عبارة عن تذمر من غلاء الأسعار والحديث يطول عن دار النشر هذه وتلك..
السؤال: هل من المعقول أن يمر طيف الغلاء على كل سبل العيش ويستثني الكتب وما تستلزمه من مواد أولية للطباعة..؟
سؤال منطقي إجابته بديهية ممّا يجعل السؤال شبه مُحرم..!!
أما عن سؤال هل وجود المكتبات الإلكترونية سيُلغي أهمية الكتاب الورقي في ظلّ ما ذكرنا من غلاء؟
فهو مرفوض عندي، وكما كنت قد أسلفت أن لا شيء يضاهي قيمة الكتاب. الحلول البديلة هي إسعافية مؤقتة وليست حلول أبدية تنسف ركيزة وطقس مهم لدى فئة مهمة من الناس، ولو أن قيمة الكتب قد فُقدت لما كانت المعارض تُقام والرواد في تزايد يٌطمئن القلوب على مكانة الكتاب التي لن تُبدلها قروش وبعض البدائل الأخرى…

العدد 1104 - 24/4/2024