الأرض التي تُحتضر

حسين خليفة:

صَاحِ هَذِي قُبُورُنَا تَمْلَأُ الرّحْـبَ

فَأَيْنَ الْقُبُورُ مِنْ عَهْدِ عَادِ؟

خَفِّفِ الْوَطْءَ مَا أَظُنُّ أَدِيمَ الْـ

أرْضِ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَجْسَادِ

وَقَبِيحٌ بِنَا وَإِنْ قَدُمَ الْعَهْـ

ـدُ هَوَانُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ

سِرْ إِنِ اسْطَعْتَ فِي الْهَوَاءِ رُوَيْداً

لَا اخْتِيَالاً عَلَى رُفَاتِ الْعِبَادِ

رُبَّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْداً مِرَاراً

ضَاحِكٍ مِنْ تَزَاحُمِ الْأَضْدَادِ

ربما كانت هذه الأبيات للشاعر الفيلسوف شيخ المعرّة، المليئة بالمعنى والتأمّل والعمق الروحي والفكري، هي أفضل تعبير عن حالنا مع كوكب الارض الذي يحتوينا كما احتوى ملايين الأقوام والحضارات، الكوكب الذي يبدو أنه تعب من سكّانه الجاحدين لما منحته وتمنحهم من ماء وخضرة وخيرات وسكينة.

هذا المركب الذي يحتوينا جميعاً، لا مفرَّ لنا من المحافظة عليه مهما بلغت اختلافاتنا وخلافاتنا وحروبنا الصغيرة والكبيرة، لأنه إن غرق غرقنا كلنا معه.

كوكب الأرض يشارف على الغرق مع من عليه إن بقي الانسان يستنزف خيراته ويعتدي على أساسيات العيش فيه، سواء بالانبعاثات الكربونية أو النووية أو استنزاف مصادر المياه حتى تكاد الأرض تصرخ من عطشها وعطشنا، والقضاء على التنوع الحيوي بقطع الغابات وحرقها تلبية لأطماع قلّة قليلة وجشعها، وبناء المعامل والمصانع العدوّة للبيئة، والانسحاب من الاتفاقات التي عقدتها معظم دول العالم بمراعاة قواعد الحفاظ على البيئة عند إقامة أيِّ مصنع، وإصرارنا على أكل اللحوم وركوب السيارات والقاطرات دون أن نحاول المشي ولو لمسافات قصيرة من أجل صحتنا وصحة كوكبنا، أو تناول مواد طبيعية والتخفيف من اللحوم ومنتجات الحيوانات من ألبان وأجبان.

تقول الدراسات العلمية المُتكرّرة وتُحذّر: (العالم أصبح بسبب الأنشطة البشرية، في منطقة الخطر، ممّا يُهدّد بتغييرات جذرية).

وتُحذّر من أن (الأنشطة البشرية تسبّبت في تجاوز المستويات الآمنة لستة من تلك العناصر التسعة، ممّا يدفع العالم إلى تجاوز مساحة العمل الآمنة للبشرية).

والعناصر التسعة هي التغيّر المناخي، والتنوّع البيولوجي، والمياه العذبة، واستخدام الأراضي، وتأثير المواد الكيميائية من صنع الإنسان، مثل الجزيئات البلاستيكية، والمُخلّفات النووية.

في هذا السياق يقول تقرير لمعهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ في ألمانيا: (نحن في حالٍ شديد السوء. نظهر في هذا التحليل أن الكوكب يفقد المرونة).

ويُضيف: (تغيّر قياس المياه من آمن تقريباً إلى فئة خرجت عن السيطرة، بسبب تفاقم حالة الأنهار، كما وُضِعت قياسات أفضل لفهم أوسع للمشكلة).

إن أخطر تلك التهديدات على كوكب الأرض هي ارتفاع درجات الحرارة. لما تُسبّبها من تغيّر جذري على سطح الأرض، فالأراضي الخضراء تختفي والأنهار تتبخر، والجليد يذوب.

يؤكّد علماء البيئة أنّ انبعاثات غازات الدفيئة المتزايدة نتيجة النشاط البشري تعمل بمثابة غطاء ملفوف حول الأرض، يحبس حرارة الشمس ويرفع درجات الحرارة. تشمل أمثلة انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبّب تغيّر المناخ ثاني أكسيد الكربون والميثان. وتأتي هذه الغازات من حرق الوقود الأحفوري مثل البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني.

نحن نحرق أنفسنا كما النار حين لا تجد ما تلتهمه تأكل نفسها أخيراً.

ولا حلّ إلاّ بكبح جماح الأنظمة القائمة على تقديس الربح بأيّ ثمن، وتطبيق قوانين حماية البيئة على عمالقة الاقتصاد العالمي ثمَّ على الصغار، لعلّنا بذلك نُنقذ البشرية من فناء مُحتّم.

العدد 1105 - 01/5/2024