لأنها أمُّنا.. مُتشبّثون بعبق ترابها

إيمان أحمد ونوس:

لأن الأرض هي أصل مختلف الكائنات الحيّة المُشتملة على أهمّ أسس الحياة من ماء وتراب وهواء ونار، ولأن النشاط البشري قد بدأ بالإساءة لكوكب الأرض مُهدّداً الحياة فيها، فقد تعالت الأصوات من أجل حمايته من وحشية الإنسان، وفي عام 1970 جرى اختيار يوم 22/4 يوماً بيئياً تثقيفياً لأجل هذه الغاية يشترك فيه ملايين البشر بتجديد التزامهم بالحفاظ على كوكب الأرض وجعل البيئة التي يعيشون فيها أكثر صحة وملائمة للعيش فيها.

فمنذ أن وعى الإنسان ذاته في هذا الكون الفسيح، احتلّت الأرض عنده مكانة تُضاهي في قيمتها وجوده وحياته ذاتها، لما تُمثّله من عطاء وانتماء مُتجذّر راسخ في الوعي واللّاوعي بآنٍ معاً. فكلُّ البشر يعتقدون أنهم من الأرض جاؤوا وإليها سيعودون، مثلما هم متيقنون أنها الأم التي تهبهم من خيراتها كل ما يحتاجون للبقاء على قيد حياة وكرامة مرتبطة منذ الأزل بهذه الأرض.

لذا، لا عجب أن نلمس مدى تعلّق الفلاح بأرضه التي يذود عنها بروحه في غالب الأحيان إذا ما تعرّضت لمحاولات النهب أو السرقة أو… الخ، فهي مجبولة بعرقه وتعبه وصبره بانتظار مواسمها وغِلالها، يعتبرها بمثابة الأبناء مكانةً وحاجةً، لا يمكن أن يُفرّط بذرة تراب منها حتى لو ضاقت في وجهه سبل الحياة، وهي الوصيّة الأولى والأهمّ لأبنائه إذا ما شعر بدنوّ الأجل. الأرض مكمن الخيرات والثروات على مختلف أنواعها وأهميتها، فبقدر ما تكون هذه الثروات عظيمة وثمينة، فإنها تمنح المواطن- الإنسان العَظَمَةَ والاستقرار والأمان والرفاهية، كما تُعطي الدولة مكانة رفيعة وهامّة بين الدول. لذا نجد أن هذا كله يتطلّب وجود أفراد مخلصين أوفياء لأرضهم، مثلما يتطلّب حكومات تُقدّر قيمة ومعنى الأرض والإنسان معاً، فتعمل على حماية الطرفين بكل ما تمتلكه من أدوات ووسائل تجعلها جديرة بحكم وإدارة البلاد والعباد.

إلاّ أن التطور الحاصل في مختلف أشكال الحياة وأنشطتها، إضافة إلى الصراع المستمر بين الدول الكبرى للاستحواذ على الخيرات والثروات لأجل تكديس الأموال قد دفع بالإنسان نحو استثمار كل ما يمكن استثماره في تجاهل تام لأهمية حياته ذاتها، وتجاهل مقصود لحياة باقي الشعوب والكائنات الحيّة على وجه الأرض، وقد وصل كوكبنا اليوم إلى حالة يُرثى لها من التخريب والتلوّث بمختلف أشكاله نتيجة هذه الأنشطة المُحرّم بعضها دولياً عبر اتفاقيات بقيت حبراً على ورق أمام جبروت  رأس المال وطغيانه، وكذلك أمام رعونة زعيمة العالم التي رفضت الانضمام إلى تلك الاتفاقيات كي تبقى بمنأى عن واجب الالتزام أو المحاسبة.

لقد بات أنين الكوكب مسموعاً وجليّاً بما لا يدع مجالاً للشكّ بضرورة الإسراع في تطبيق كل الاتفاقيات ذات الصلة بالمناخ والأرض، وإلاّ فإننا وعلى المدى المنظور ذاهبون والكوكب نحو فناء حتمي فرضته وحشية الإنسان التي فاقت وحشية أيّ كائن آخر.

العدد 1105 - 01/5/2024