لنحيا بسلام

وعد حسون نصر:

على كوكب نحظى فيه بقليل من الأمان، علينا أن نتحلّى بقليل من الإنسانية، نُخفّف من ثقلنا على نباتاتها وحيواناتها ومناخها وسمائها وبحرها، لأننا على ما يبدو كنّا أخطر كائن على هذا الكوكب حين جعلنا من البحر مكبّاً لنفايات معاملنا، فبدأنا نقتل الحياة فيه لاسيما حين جرى تحويل الكثير من مياه الصرف الصحي إلى الأنهار والبحار، إضافة إلى حطام البوارج ونفايات الوقود لبعض أسلحة الحرب الفتاكة، دون أن ندرك أن داخل هذه البحار أرواحاً تريد أن تحيا مثلنا بسلام، تتكاثر، تلهو، تخلد للراحة، تمارس حقّها بالتوازن البيئي، حتى إننا تجاهلنا أنه مكان للهو ومتعة الاصطياف وضحكات أطفالنا، مثلما نتجاهل أنه مصدر أساسي لتشكيل غيوم الخير بتبخّر مياهه حين تحضنها أشعة الشمس. كذلك الغابات البكر لم تسلم من انتهاك الإنسان لحرمتها حين دخلها مكتشفاً أسرارها، فأشعل النار فيها، قطع أشجارها، اصطاد حيواناتها بتجاهل فظّ أن البعض من هذه الحيوانات في طريقه للانقراض، وقد وضع قواعده فيها جاعلاً منها منطقة نزاع مع سكانها الأصليين الذين باتوا عبارة عن عبيد لدى الإنسان مُدّعي الحضارة والمُتقدّم عنهم فكرياً وسلوكياً، لقد استغلّ بدائية سكان الغابات لتسخيرهم لجشعه، بالتنقيب عن دفائن الطبيعة من معادن وما شابه!

حتى السماء لم تسلم من هذا الجشع، فقد جعلوها تحتضن صواريخ الموت بدل أن تكون ملفى الطيور وملعب الفراشات، وأن تحتضن غيوم الخير، لقد باتت اليوم تسكب علينا الموت بحمم من صنع الإنسان لدرجة أننا في بعض البقاع من هذه الأرض نخشى النظر إلى السماء بعد أن هجرتها الطيور واستولت عليها قذائف الغدر من صنع الإنسان! المناخ الملوّث بغبار المعامل ونفاياته، والروائح النتنة المُنبعثة من القمامة التي باتت تُشكّل ثلث مساحة الأرض، فبدل أن يحمل الهواء بذور الطلع وقطرات الندى بات يحمل أكياس النايلون وأوراقاً وقطع قماش نتنة وروائح عفنة، والسبب في هذا قذارة الإنسان الذي يرمى مخلفاته في كل مكان! فالأرض رويداً رويداً تتّجه نحو الدمار من كثرة الحروب وعدم احترام نظام التوازن البيئي عليها، واستغلال ثرواتها بطريقة جائرة، إضافة إلى تزايد التجارب الكيميائية والأسلحة الفتّاكة التي تُسهم جميعها في تدمير الأرض مُسبّبة الكوارث، حتى التحريض المناخي ببعض الغازات من أجل صناعة الأمطار يُسهم أحياناً بمناخ كارثي ودمار نتيجة العبث بموازين الطبيعة.

حتى في الأرياف والمناطق الزراعية، يلاحظ أن ابن هذه البيئة يسهم في دمارها حين يقطع أشجارها وخاصةً المُعمّرة منها بهدف التدفئة، وحين يصرف نظره عن الزراعة ويتجه للإقامة في المدينة بحجّة البحث عن فرصة عمل بسبب سوء الأوضاع المعيشة، وبهذا نكون جميعنا قد صرفنا نظرنا عن عطاءات أرضنا، ما جعلها بالمقابل تصرف نظرها عن حمايتنا وتبخل علينا بخيراتها. كذلك سيادة التلوّث البيئي والبصري والسمعي في كل مكان. لقد كبرت قدم الإنسان بفساده في الأرض، وأصبح الدمار أكثر بكثير من العمار، حتى تضاءلت البقعة الخضراء وقلّت معها المناطق البكر في الطبيعة، وبتنا نحتاج إلى إعادة ترميم ما أفسدناه كي لا يبقى يوم ٢٢ نيسان من كل عام المعني بيوم أمان الارض مجرّد تاريخ نمرُّ عليه مرور الكرام فقط، بل يجب السعي لحياة كوكبنا لو بغطاء نباتي نزرعه على شرفتنا وعلى سطوح منازلنا، ربما نحظى بقليل من الهواء النقي بعد فساد الأرض وما خلّفته حروب من صنعنا نحن البشر، لتتعزّز مقولة أن الإنسان أخطر كائن على هذه الأرض وهو سبب دمارها.

أجل، إن كل هذه السلوكيات البشرية الجائرة جعلت من عبارة أمن الأرض مجرّد شعارات فقط، هو يوم له تاريخ من كل عام يُقام لنتحدّث فقط عن المخاطر التي تواجه الأرض دون إيجاد حلول ودون السعي لتخطّي هذه العبثية التي سترتحل بكوكبنا نحو الدمار.

العدد 1105 - 01/5/2024