ظاهرة قديمة جديدة

وعد حسون نصر:

المساكنة التي باتت تنتشر في الآونة الأخيرة بين جيل الشباب، كانت في الماضي على نطاق ضيّق ومحدود خاصة بين بعض طلاب الجامعة من أصحاب الفكر المنفتح الذين أتوا لدمشق من محافظات أخرى، إذ ترى هؤلاء الشباب يتّخذون طابعاً معيّناً لحياتهم وطريقة تفكيرهم وأسلوب عيشهم، حتى طريقة انتقائهم الكتب والروايات، وكذلك انتماءهم ونظرتهم إلى الدين والعادات والتقاليد، والتي غالباً ما تكون مختلفة عن نظرة الآخرين لها، فلهم طقوسهم بالحياة التي لا تشبه حياة الآخرين، وقد تكون سلوكياتهم تلك لا تعجب الكثير من أفراد المجتمع، لكنهم أنفسهم راضون عن هذه الحياة ومقتنعون بها، لأن سلوكيات غالبية المجتمع لا تعجبهم ولا تجمعهم. لذلك تراهم دائماً على خلاف مع من حولهم وخاصةً بشأن طريقة تفكيرهم وأسلوب حياتهم وإدخالهم عادات جديدة على عادات وتقاليد المجتمع. وقد كان للمساكنة قدسيتها عند هؤلاء الشباب في الكثير من الأحيان. أما اليوم، فقد باتت أشبه بموضة العصر، إذ ترى جيلاً بأكمله يعيش حالة تقليد أعمى للمشاهير من نجوم السينما ومشاهير فيديوهات وسائل التواصل، يوهمون أنفسهم بعلاقة ناجحة ومستمرة، لكنهم لا يتوانون عن أن يُشَهِّروا ببعضهم البعض عبر وسائل التواصل مع أول خلاف، لذلك باتت هذه الحالة منبوذة حتى بين من كان يسعى لجعل المجتمع يتقبّلها. إن الارتباط شيء مُقدّس في العلاقات العاطفية من حيث خصوصيتها وذكرياتها ومواقفها الطريفة أو المزعجة، خاصة إذا كان هدف هذا الارتباط الاستمرارية، فلماذا نُشوّه علاقتنا بالمفاهيم الخاطئة ونجعل من الحب سلعةً تُسلّع كل ما كان بيننا من حميمية.

لكن الواضح أن هذا الجيل بات يرى في الحب سبيلاً للمساكنة فقط، لاسيما في الظروف التي تمرُّ بها البلاد، فقد أصبحت المساكنة عند بعض المستهترين تبريراً مغلوطاً لظروفهم الصعبة من فقدان سكن واضطرارهم للمكوث مع أحد ما لتخفيف أعباء تكاليف المعيشة والمصروف. وهنا يغدو الأمر عبارة عن دعارة مُبطّنة تحت مُسمّى حاجة. كذلك استغلال القاصرات من قبل بعض الأثرياء من ضعفاء النفوس وإغرائهنَّ بمنزل جيد وثياب وحلي تحت لافتة الحرية الشخصية والتحرّر الفكري أسوة بالغرب الذي لا نَقِلّ عنه بشيء، فتشعر الفتاة بالراحة والاطمئنان مدة من الزمن، وتعود بعد فترة وجيزة فترى نفسها ضحية هذا الكهل الذي بدأ يخشى نظرات المجتمع ومعرفة أهل بيته، وهذا ما سوف يؤدي إلى تشتّت أسرته، لذا يرى وجوب إنهاء هذه العلاقة حتى يحفظ ماء وجهه بغضِّ النظر عمّا أصاب الفتاة من أذى.

إن المساكنة في مجتمعنا الشرقي مرفوضة اجتماعياً ودينياً، وخاصةً إذا نجم عنها أولاد غير شرعيين، فما مصير هؤلاء الأطفال وما مصير حياتهم حين يتنصّل الطرف الآخر من مسؤولياته!؟ لذلك، إذا أردنا أن نُقلّد الغرب في أسلوب حياتهم علينا أن نأخذ المفيد وما يناسب مجتمعنا كمهارات وأسلوب التربية الصحية وطريقة التعاون بين أفراد الأسرة، لا أن نُقلّد ما يتنافى مع عاداتنا وقيمنا وأخلاقنا! وكي يكون المجتمع قائماً على أُسس سليمة علينا تنشئة جيل مدرك للقيم ولإنسانية الإنسان، لأننا وللأسف وجدنا أنه خلال الأزمة وما بعدها كان قد ولد جيل جديد الأغلبية منه فاسدة وفاقدة للقيم، غالبية مُشرّدة مادياً ومعنوياً تسعى للانحدار والتعاطي والإباحية، فباتت العلاقات المُحرّمة كالمساكنة تأخذ مسميات عديدة تحت لافتة الحرية الشخصية والانفتاح نحو التقدم، وأضحت المُبرّرات كثيرة كالظرف المادي والفقر والجهل والمرض والحاجة.

بالتأكيد لا يمكن للقيم والأخلاق الأصيلة أن تُشوّهها الظروف، فكم من أسرة فقيرة خَرّجت مهندسين وأطباء ومحامين! وكم من أسرة مُتمكّنة مادياً خَرّجت مروجين ومتعاطين وللأسف شواذ بالعلاقات الاجتماعية! فقد كان مفهوم الجنس في نظرهم تطوراً وحرية ورقيّاً، إلاَّ أن الخلل في أي مجتمع يبقى خللاً حتى ولو جمّلناه وأعطيناه أفضل المُسمّيات.

العدد 1104 - 24/4/2024