من حرب الإبادة إلى قتل (الأونروا)!
د. صياح فرحان عزام:
لم يكتفِ كيان الاحتلال الصهيوني بما ألحقه بقطاع غزة من جرائم قتل وتدمير وتهجير وتجويع على مدى أكثر من ثلاثة أشهر، بل يسعى، بدعمٍ أمريكي وأوربي، إلى قطع كل سبل الحياة أمام الفلسطينيين في غزة، رغبةً منه في تحقيق أهداف عدوانه القريبة والبعيدة، ولم يعد من المهم تكرار صور التماهي الواضح بين رواية الولايات المتحدة ومن يحالفها ويأتمر بأوامرها من الدول الغربية، ورواية الكيان حول الصراع في غزة منذ أن بدأ في السابع من تشرين الأول الماضي، لأن هذا الأمر أصبح معلوماً للقاصي والداني، لكن أحدث تجليات هذا التماهي أمرٌ يستحق الوقوف عنده، وهو معاقبة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط المعروفة اختصاراً باسم (الأونروا).
هذا الموقف الإجرامي والمخزي ينسف مرة جديدة ادّعاءات الحياد الأمريكي – الأوربي تجاه القضية الفلسطينية، بدليل التسليم الكامل والسريع بكل ما يدعيه كيان الاحتلال من أقوال وافتراءات كاذبة، بينما ما يقوله الطرف الآخر لا يسمعه لأحد، ولا يراه برغم أن دلائله الماثلة أمام أعين من يبصر لا تعدّ ولا تحصى.
لم تضيّع الولايات المتحدة الأمريكية وقتاً، لا في تصديق اتهامات الكيان الصهيوني للأونروا فقط، بل ذهبت إلى ترجمة ذلك على أرض الواقع من خلال تعليقها للمساعدات الموجهة لهذه الوكالة، وهو إجراء تعسفي قلدتها دول أخرى على الفور، دون أن تنتظر ما يمكن أن ينتهي إليه التحقيق في اشتراك موظفي الوكالة الأممية المزعوم في هجوم السابع من تشرين الأول 2023.
لقد قامت وكالة الأونروا بإنهاء عقود الموظفين المتهمين من وجهة نظر العدو الصهيوني، وكانت حجتها في ذلك حماية قدرتها على تقديم المساعدة للفلسطينيين خاصة في قطاع غزة وسط الظروف الحالية السائدة فيه، وكان من المنطقي والواجب على الولايات المتحدة أن تتريث للتحقق من الادعاءات الإسرائيلية المضللة في مثل هذا الموقف أمام مسألة إنسانية لأبرياء يُقتلون ويجوّعون أمام أعين الجميع.
ولا شك في أن الولايات المتحدة بتعليقها للمساعدات المقدم للأونروا إنما هي تشجّع تقويض وإعاقة عمل المؤسسات الأممية التي يستهدفها كيان الاحتلال الصهيوني منذ بداية عملية طوفان الأقصى وحتى قبل ذلك، بهدف منعها من تقديم خدماتها الإنسانية والصحية والغذائية، ومنعها أيضاً من الشهادة على ما تفعله آلة الحرب الصهيونية بالأبرياء حتى بلغت الأوضاع المأسوية في غزة الحدود القصوى، بل غير المتصوّرة سوءاً وتردّياً.
والأمر الأخطر في مسألة الأونروا أن كيان الاحتلال لا يريد فقط إسكات صوت جهة أممية عادية وإلغاء عملها، بل يريد إخراجها كلياً من فلسطين، وتحديداً من قطاع غزة، بعد انتهاء العدوان الصهيوني على القطاع، وهو (أي كيان الاحتلال) يعلم رمزية الوكالة في الواقع الفلسطيني المشتت والمأسوي منذ عام 1948 وكيف أسهمت منذ بدء عملها عام 1950 في مساعدة وإغاثة اللاجئين وتوظيفهم في أراضيهم منذ الجيل الأول للنكبة، وصولاً إلى هذه الأيام في الأراضي المحتلة ثم خارجها.
لا شك في أن ما يقوم به كيان الاحتلال من مساعٍ حثيثة لإعاقة عمل منظمة الأونروا يأتي ضمن مسلسل عدواني لإلغائها من الأساس تحت ذرائع واهية، وهذه المساعي لا تنفصل عن الإجراءات التعسفية التي يقوم بها الجيش الصهيوني وحكومة الإرهابي نتنياهو لمنع تدفق المساعدات إلى قطاع غزة من وقود وغذاء ودواء وغيرها، وذلك لاستغلال المعاناة الإنسانية في تحقيق أهداف العدوان، وأولها وأقربها الإفراج عن الرهائن الصهاينة لدى المقاومة، والثاني تهجير سكان غزة إلى خارج القطاع.
إلا أن هذه الأهداف لم ولن تتحقق، مهما فعل العدو الصهيوني، فسكان غزة متجذّرون في أرضهم ولن يغادروها مهما كلفهم الأمر من ثمن، كما أن المقاومة في غزة مستمرة في التصدي لتغلغل الجيش الصهيوني في غزة وتكبده خسائر فادحة.