زيلينسكي لن يكون (نابليون)

د. صياح فرحان عزام:

قيل لنابليون مرة: (إن جبال الألب الشاهقة تمنعك من التقدم)، فقال (يجب أن تزول من الأرض)، ولكن ماذا كانت النتائج؟ نابليون زال، ومازالت جبال الألب الشاهقة ثابتة في مكانها.

بطبيعة الحال، لن يكون زيلينسكي نابليون بأي حال من الأحوال، لكن روسيا الاتحادية تبقى في مكانها.

ينطبق ما جاء أعلاه على الرئيس الأوكراني الذي منذ البداية، لم يقرأ التاريخ إطلاقاً، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لم يقرأ جيداً التغييرات الأطلسية والأمريكية تجاه المساعدات العسكرية لبلاده التي وصلت إلى نهايتها، وعدم القدرة على تقديم المزيد منها، والأهم أن زيلينسكي لم يقرأ جيداً التغييرات الميدانية على جبهات القتال مع القوات الروسية، والتي وصفها وزير دفاعه فاليري زالونجي بأنها وصلت إلى (طريق مسدود)، وأنه يرى أن الجيش الأوكراني بات في ما أسماه (حرب تموضع ثابت للقتال والاستنزاف)، كذلك يتجاهل الخسائر الفادحة للقوات الأوكرانية التي قدرها خبراء عسكريون بأنها تجاوزت 293 ألف قتيل وجريح منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة، علاوة على الدمار الهائل في كييف والمدن الأوكرانية الأخرى.

مع كل ذلك، يصر زيلينسكي على المضي في القتال ضد الجيش الروسي حتى النهاية كما يزعم، ووفقاً لما تشجعه عليه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بهدف استنزاف روسيا.. إن إصراره هذا في ضوء التشجيع الذي جئنا على ذكره، هو أشبه ما يكون بعملية انتحار، ومازال – بناء على أوامر أسياده في واشنطن- يرفض التفاوض مع روسيا التي أعلنت منذ بدء عمليتها العسكرية استعدادها لإجراء مفاوضات بين الجانبين للتوصل إلى حل سلمي.

ولهذا تأتي دعوة زيلينسكي لتعبئة ما بين 450 ألف شخص لمواجهة روسيا، تأكيداً لعجز الجيش الأوكراني عن تعبئة المزيد من القوات لإرسالها إلى القتال في الجبهة، وأيضاً تعبّر عن عدم استيعاب زيلينسكي لحقيقة أن الدعم الأمريكي والغربي من إمداد بالسلاح والذخائر والأموال لم يعد متاحاً كما كان من قبل، وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأول لنظام زيلينسكي، إذ إن الأولوية الأمريكية في الدعم في هذا الوقت لكيان الاحتلال الإسرائيلي وليست لأوكرانيا.

القادة في مجلس الشيوخ الأمريكي من ديمقراطيين وجمهوريين أكدوا مؤخراً أن واشنطن لن تكون قادرة على الموافقة على مساعدات جديدة لأوكرانيا قبل نهاية عام 2023، فيما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثير ميلر أن أمريكا جمدت مشاريع تمويل عقود المساعدة طويلة الأجل إلى أوكرانيا بسبب فشل الكونغرس في تخصيص الأموال لذلك، بينما فشل رؤساء الدول والحكومات الأوربية خلال قمتهم الأخيرة في بروكسل يومي 14 و15 كانون الأول 2023 في اعتماد 50 مليار يورو لدعم كييف.

إذا وبناء على ما تقدم لماذا يركب زيلينسكي رأسه ويرفض التفاوض وصولاً إلى حل سياسي مع أن روسيا- على لسان رئيسها بوتين والعديد من مسؤوليها السياسيين والعسكريين- لم تغلق الباب أمام التسوية السياسية عبر التفاوض؟ ولماذا يصر على حرب بات من الواضح أنها خاسرة، ولن يخرج منها إلّا بمزيد من الخسائر حتى ولو طالت عاماً آخر أو عامين أو أكثر؟

ولكن بات من المؤكد أن زيلينسكي ليس أكثر من دمية تحركه واشنطن كما تشاء، وهي التي توعز له سراً بالاستمرار في الحرب ضد روسيا لتحقيق مصالحها الخاصة، ولاسيما أنها لم تخسر جندياً أمريكياً واحداً في الحرب الأوكرانية، إلى جانب أن مصانعها العسكرية تجني الأرباح الطائلة من تجارة الأسلحة، إضافة إلى أن واشنطن تستنزف الدول الأوربية لإضعافها وإبقائها تسير في ركاب سياستها عبر تخويفها من روسيا.

 

العدد 1104 - 24/4/2024