ثقافة التخريب.. ثقافة تُخرج العقل من الحياة

محمد إنجيلة:

لنتامّل جيداً مقدار التخريب والتشويه في ثقافة الأجيال عبر الأزمان في حياتنا السابقة والحالية.

شكل التقليديون الوعي الاجتماعي والثقافي على طريقتهم؛ وبما يناسبهم. غرسوا في عقول الأجيال المتعاقبة أن الحقيقة مطلقة لا يأتيها الباطل، وجدت هكذا دفعة واحدة صالحة لكل زمان ومكان وتحتوي على جميع المعارف، ما كان سابقاً وما سيكون!!

لا أعرف ما إذا كانت ادعاءات كهذه أو ما يشبهها وجدت في الثقافات الموجودة على سطح المعمورة.

إنهم ينكرون حقائق الحياة والتاريخ والتطور والتغيير الذي يطول كل شيء.

في هذا العالم المجنون بسوسة الثورات الرقمية والتكنولوجيا الحديثة، مَن ينكره ويتجاهله سيسبقه الزمن ويجعله متخلفاً!

فالحقيقة والمعرفة عن الكون والإنسان والمجتمعات لا تتكون دفعة واحدة، بل عبر تراكم تدريجي للخبرات والتجارب التي تصوغها عشرات الأجيال لدى الشعوب وعبر التاريخ؛ لذلك نستنتج أنه من غير المعقول أن تكون معارف وثقافات الشعوب في الماضي كما هي الان. فهذا وهم ومنتهى السخف والتخلف!

فالحقائق المطلقة هي إخراج للعقل من دائرة الحياة. وسيرورتها التي تخيط البيئة المناسبة لتكوّن العقل وتطوره!

فلو كان مقالهم صحيحاً لكانوا عرفوا مكامن النفط وطرق استخراجه ومكامن المياه وصناعة السيارة والطائرة والأدوية!

وبما أنهم لم يكتشفوا ذلك، فهم ما زالوا يرسّخون القناعة لدى (العامة) أن معارف الشخصيات والرموز في ذلك الزمان تحتوي على كل العلوم، لكن هذا الادّعاء يلحق أفدح الأضرار بالأجيال الطامحة إلى العلم والابتكار والإبداع، ولا تكفي قراءة الموروث للحصول على كل المعارف.

وما مسألة الإعجاز إلا نوع من السذاجة، لذلك فهم ينتظرون أن يعلن الآخرون في الغرب العلماني عن اكتشافهم واختراعهم حتى يسارعوا إلى التبجح أن ذلك الاختراع موجود في الموروث استناداً إلى تشابهات لفظية لا أكثر من ذلك.

ومع ذلك يتابعون تخريب عقول الأجيال وصرفها عن حقائق الحياة الإنسانية وطرق العلاج الحضاري والثقافي والاجتماعي في بلداننا.

العدد 1105 - 01/5/2024