طال انتظارنا للفرح

وعد حسون نصر:

نعم، طال انتظارنا للفرح، وبتنا صغاراً وكبار ننتظره في الأعياد، في حفلات التخرّج وافتتاح المحلات، وحتى في زفّة عريس تمرُّ بصوت الأهازيج من حارتنا وأمام منزلنا، بصوت مذياع يصدح بأغنية راقصة من نافذة سيارة عابرة بشارعنا الضيق. ومن شدّة انتظار الفرح صرنا ننتظر صوت الطبل والمزمار، والسبب أن هموم الحياة أثقلت أجسادنا، وقيودها كبّلت معاصمنا، وأصبحنا نقف في حيرة من أمرنا أمام عجزنا عن تأمين أبسط مستلزماتنا، عن تحقيق حلم صغير في فسحة بسوق الحميدية وشوارع دمشق القديمة بيدنا كأس جامد أو وجبة تماشي شهيّة، أو قطعة حلوى كما كنا في السابق نمشي في هذه الشوارع القديمة المُعطّرة برائحة الماضي وعظمة الأجداد وبخور الذكريات، نلهو ونضحك.. نتذوق الأطايب والأكلات الشعبية والمُطعّم والملبن، وتكتمل فرحتنا أكثر حينما ندخل إلى محل بوظة بكداش، ففي الصيف نتناول البوظة الدمشقية الشهية المغمّسة بالفستق الحلبي، بصحونها المعدنية اللامعة. وفي الشتاء المهلبية الساخنة مع الكعك، ولا ننسى التماري والترمس والذرة والنابت والبليلة نأكلها بمتعة، فهي رخيصة وشهية ودليل موثّق لزيارة الشام القديمة. بعد ذلك نعود للمنزل فرحين، فقد خرجنا نلهو ونجمع ذكرياتنا بصور في شوارع الشام. أمّا اليوم فلم تعد هذه الفسحة مشوارنا المنتظر، فقد غدت على بساطة بعضها مصاريف وعبئاً وازدحاماً ووجوهاً شاحبة، حتى الأكلات الشعبية صارت حلماً ومذاق البساطة غاب منها بعد ما أصبح سعرها باهظاً ويضاهي سعر المحال الفخمة، ليزداد البحث عن فرحنا ويطول انتظارنا له.

لقد أضحى الجميع منصرفاً عنه للبحث عن مصدر العيش ومورد الرزق، فلا مائدة تجمع أهل المنزل بموعد ثابت، ولا ضحكات تراقص الآذان طرباً في سهرات السمر على شرفات المنازل أيام الصيف وأوقات العطل، ولا الأعياد تجمع شمل الأسرة التي شتّتها السفر، لم تعد الشام تعبق بعطر الياسمين وتزهو ببيرق أكياس المولوية في يوم المولد النبوي، حتى الفرح غاب من وقفة العيد في شارع الميدان الدمشقي!! فهل غدت أيامنا منقوصةٌ منها نكهة الحب والذكريات؟ وبات همّنا الوحيد البحث عن الفرح في إيجاد رغيف الخبز وثمن كليو البطاطا وعبوة الزيت، لماذا كُتِبَ علينا الانتظار لدرجة أن الفرح أصبح ضمن ما ننتظر، لدرجة أننا إذا ضحكنا نقول قولنا الشعبي (الله يجيرنا من هالضحكة.. وما يصير معنا شي!)، وهنا يصبح الضحك محرّماً وكأنه ذنب بعده مصيبة.

أرجوكم لا تجعلونا ننتظر الفرح طويلاً فقد شاب القلب همّاً قبل الرأس، وشحبت الوجوه حزناً، فنحن الدمشقيون، نحن السوريون نعشق الأفراح، نطرب لصوت الفن، ونودّع مواكب الحج بالأهازيج ونرشُّ السكر بيوم مولد الرسول الكريم ونغني أناشيد المولوية، ويصحو الصائم على إيقاع طبل المسحراتي، حتى الشهيد نودّعه بأغنيات المجد، فلا تجعلوننا ننتظر الفرح وتحرمونا من قدومه، فمن اعتاد أن يشرب قهوة الصباح على نغمة عصفور الشرفات وصوت فيروز ورائحة الياسمين يُذَلُّ إذا هجر الفرح وأضاع إليه السبيل.

العدد 1104 - 24/4/2024