إعاقات الحرب لا تشفيها الإعانات والقرارات

إيمان أحمد ونوس:

في اليوم العالمي للمعوّق، الذي يصادف في الثالث من كانون الأول من كل عام، لا بد لنا من وقفة مطولة مع هذه الشريحة من المجتمع، التي باتت تفرض وجودها ومتطلباتها علينا بقوة، وهذا أمر طبيعي في كل المجتمعات باعتبار هذه الشريحة جزءاً هاماً وأساسياً من المجتمع، يجب أن لا يُنظر إليها على أنها عبء ثقيل، ولا أنها عارٌ يجب إخفاؤه، بل علينا التعامل معهم على أنهم مشابهون لنا في كثير من الأمور، فقط هم لهم احتياجات خاصة تختلف نوعاً ما عن احتياجاتنا الأساسية في الحياة، إذ لا أحد منّا اختار المجيء إلى هذه الحياة.. وبالتالي لسنا مسؤولين عن الشكل الذي حملناه، سوياً كان أم معوقاً، أو حتى مشوّهاً. هذه حقيقة علينا إدراكها وقبولها، والتعامل معها بجدية وتفهّم، وحتى تفاؤل، وذلك حتى نتمكّن ونمكّن المعوق من التأقلم مع ذاته ومحيطه الأسري والاجتماعي.

من هنا نجد أن مسؤولية هذا الوضع القائم بالنسبة للفرد المعوق تقع على جهات متعددة، كالأهل والمدرسة والحكومة متمثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وأيضاً جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني الأهلية.. لأنهم كسائر البشر في الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية، فقد خصّتهم الأمم المتحدة بيوم عالمي للتذكير الدائم بحضورهم القوي في حياة المجتمعات والحكومات. فكان الثالث من كانون الأول من كل عام يوماً عالمياً للاحتفال بإنجازات خارقة ربما يعجز عنها الإنسان الطبيعي، قام بها أولئك الذين لم تثنهم إعاقتهم الجسدية عن العطاء الإنساني بأرقى تجلياته. وكذلك للتذكير بأن هناك شرائح منهم لا تلقى ما تستحقه من اهتمام ورعاية وتقدير لإمكانيات مدفونة خلف إعاقتهم الجسدية والنظرة القاصرة للمجتمع والحكومات إليهم.

وبما أن الحرب خراب وهلاك وإعاقة للحياة والإنسان، فإنها لا شكَّ تُخلّف وراءها أعداداً مرعبة من مدنيين وعسكريين فقدوا عضواً أو أكثر من أجسادهم أثناء العمليات القتالية أو ممّن أصابتهم شظايا الصواريخ والقذائف التائهة ما بين الجبهات، فنكون بذلك أمام واقع مرير يجمع ما بين معوقي الحرب الجُدُد، وما بين أولئك المعوقين خلقياً ما قبل الحرب، لتغدو صورة المجتمع أشدّ بؤساً وقتامةً ممّا كانت عليه حين سُنّ القانون رقم 34 لعام 2004 الذي ينظم شؤون المعوقين ورعايتهم عبر مجموعة من الخدمات التي يُفترض أن تُقدّم لهم في المجالات الصحية والتربوية والتعليمية والرياضية والتأهيلية والإعلامية والعملية، وتوفير البيئة الملائمة المؤهلة لهم، والإعفاءات على بعض احتياجاتهم، وإحداث المعاهد التي تتولى تقديم الخدمات المختلفة، وإجراء تصنيف وطني للإعاقة، ليكون أساساً لمنح بطاقة المعوق.

وبناءً على هذا القانون فقد صدر التصنيف الوطني للإعاقة رقم 992 لعام 2008. وبعد مُضيّ أكثر من عشرة أعوام على هذا القانون والتصنيف، صدر في عام 2017 وبناءً على قرار المجلس المركزي لشؤون المعوقين التصنيف الوطني للإعاقة رقم 2818 فألغى الأول وحدّد تصنيفات وتوصيفات تناسب الواقع الحالي ربما بدقّة أكبر وأشمل.

لكن، إذا ما عُدنا للواقع اليومي في المجتمع، وإلى كل ما اتخذ ويتخذ من قرارات وإجراءات تحت مسمّيات وتوصيفات لصالح هذه الشريحة التي كبرت خلال الحرب، نجدها قاصرة عن التعاطي والتعامل الجدي والحقيقي والفعّال تجاه أُناس فقدوا، في ساحات المعارك أو المدن المنكوبة بالقذائف، قدرتهم على الحياة الطبيعية، مثلما كانت قاصرة تجاه من شملهم القانون 34 لعام 2004 وبهذا نكون أمام معضلة أخلاقية وإنسانية فادحة تعمل ولا شكّ على خلخلة قيم الفرد والمجتمع معاً، بحيث تطغى الأفعال المُشينة والأنا اللاواعية تجاه احتياجات معيشية وحقوق أساسية يكفلها بدايةً القانون الأخلاقي الإنساني غير المُسجّل في عدليات المجتمعات، مثلما تكفلها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان (طبيعي ومعوق).

إنّ مجرّد الاحتفال بيوم عالمي واحد في العام لا يكفي ولا يداوي جراح أجساد شوّهتها الحروب، ولا يُرمّم نفوساً وأرواحاً أنهكتها كرامة مهدورة من أجل الحصول على لقمة العيش فقط. بل هو واقع يفرض على الحكومات، مثلما يفرض على منظمات المجتمع المدني والأهلي التعاطي مع تلك الشريحة من معوقي الولادة والحرب بإنسانية واحترام واهتمام جدي وفعّال ولو من باب ردّ الجميل لمن ضحى من أجل وطن وشعب.

نأمل ألاّ يبقَى العمل مع قضية المعوقين تعاملاً إعلامياً وإعلانياً أكثر منه تعاملاً جدياً وواقعياً يجب أن يخدم هذه الشريحة الهامة من المجتمع، وباعتقادي يجب النظر إلى قضية المعوق على أنها قضية وطنية ومهمة أساسية للنهوض بالمجتمع لأرقى المستويات، وحتى يتمكّن هؤلاء من الاندماج جدياً وجيداً في المجتمع، ليكونوا أفراداً صالحين ومفيدين لأنفسهم أولاً، ومن ثم للحياة، بدل أن نبقيهم أسرى إعاقتهم، وعالة على أُسرهم والمجتمع. فلنكن عوناً لهم في تخطي أسر محنتهم باتجاه الأفضل والأسمى، ولنعمل على تغيير تلك الوصمة السلبية باتجاه وصمة إيجابية وفعّالة لأجل إنصاف هذه الشريحة من المجتمع، والتي لا شكّ ستترك بصماتها الرائعة إن توافرت لها جميع الظروف المواتية والمناسبة والداعمة.

 

العدد 1104 - 24/4/2024