أحد مسبباتها الحروب

وعد حسون نصر:

ربما يكون المُسبّب الأكبر للإعاقة التي لم تولد مع الإنسان بعض الصدمات أو الكوارث أو الحوادث، أو بعض الأمراض الوراثية وسواها. كذلك تلعب الحروب وما تُخلّفه من دمار وتأثيرات سلبية على الإنسان بشكل خاص دوراً هاماً في خلق الإعاقات الجسدية سواء للمقاتلين أو المدنيين.

عندما يولد الفرد ولديه إعاقة جسدية ظاهرة يكون الأمر هنا طبيعياً، فالشخص نفسه أو ذووه يحاولون التأقلم مع وضعه الصحي والجسدي ليتماشى مع متطلباته واحتياجاته اليومية، فمثلاً من فقد أحد أطراف تلقاه يستعين بشكل بديهي على الطرف المُعافى. حتى إن أصحاب الإعاقة تراهم يحاولون السعي وراء الأعمال التي تتناسب مع إعاقتهم لأجل إعالة أنفسهم، هذا بالنسبة لمن يولد ولديه إعاقة. أما من كان سليماً مُعافى، لكن تعرّض لحادث جعله يفقد أحد أعضائه، أو يفقد بصره أو سمعه أو نطقه، هنا يكون الوضع مختلفاً، فهو بحاجة إلى رعاية نفسية وتأهيل جسدي كي يستطيع التعايش مع وضعه الجديد، لأن الكثير ممّن فقد أحد أعضائه وبات من أصحاب الإعاقة يكون قد أصابه الاحباط والكآبة ويغدو بحالة نفسية تجعله مُدمّراً من الداخل، خاصةً من شرّدته الحرب وجعلته بلا منزل ولا عمل ولا حتى دخل! فلو كان باستطاعته أن يقوم بتركيب طرف صناعي أو حدقية أو حلزونة للسمع ربما تجاوز بعض أوجاعه، لكنه حين يكون عاجزاً مادياً فلا يملك ما يُعينه على هذا، فإنه لا بدّ أن يشعر بالعجز والإحباط مع اضطراره اللجوء إلى بعض الجمعيات التي يمكن أن تساهم بتبني هذه الحالات ومساعدتها. لكن، في الآونة الأخيرة باتت هذه الجمعيات وبسبب كثرة الحالات والعجز وضعف الامكانيات المُقدّمة لها لا يمكن أن تغطي كل الحالات، وبالتالي ازدادت نسب الإعاقات وازدادت معها الحالات النفسية السلبية، وخاصة أننا نعيش ظروفاً معيشية قاسية من بطالة وعجز ونقص في قطاع الخدمات من كهرباء وماء ووقود وحتى للدواء والغذاء، بالتزامن مع عدم التناسب ما بين الدخل والأسعار المُحلّقة في الأسواق، ممّا جعل كثيرين ينظرون إلى أعضاء جسدهم على أنها عبارة عن كماليات لا تستحق العلاج!!

من المسؤول الأول عن هذا الخلل في مؤسسات الرعاية؟ أليس من الطبيعي أن تكون نسبة كبيرة من تبرعات المجتمع المحلي ومن خدمات المنظمات الإنسانية والاوقاف الدينية أن تذهب لأصحاب الإعاقة، وخاصة الذين أصيبوا خلال الحروب، ولديهم فرصة ليعودوا نوعاً ما أصحاء قد أضحوا نسبة كبيرة مُصابة بعجز كامل أو شبه كامل.

ولم تتوقف الإعاقة عند الإعاقة الجسدية، بل هناك الكثير ممّن أصابتهم إعاقات نفسية أو عقلية جرّاء الصدمات وظروف الحرب، لا بل وبصورة أصح أصبحنا جميعنا بحاجة لمعالج نفسي يجعلنا نتخطّى تقلبات أفكارنا وربما تفكيرنا بالانتحار تارةً، وبالسفر تارةً أخرى، أو محاولة القيام بالأفعال المُشينة من اختلاس وربا وتجارة غير شريفة، أو اللجوء لبعض المواد المُخدرة والمهدئة وخاصةً عند جيل الشباب الذي فقد أبسط حقوقه بالحياة ما جعله يُفكّر وكأنه مريض نفسي يحتاج إلى مصحّ!

لذلك يجب تعزيز الاهتمام بمراكز الصحة التي تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، والأهم من فقد أحد أعضاء جسده جرّاء الحرب وتأهيله نفسياً، ومن ثم تقديم الدعم الجسدي والمادي وتأمين دخل محترم لمن فقد عمله بسبب الإعاقة، أو لمن ولد مُعاقاً ولا يستطيع العمل بسبب إعاقته، بالتالي كما قال فرانكفورت أودر: ” الإعاقة ليست إعاقة الجسد بل هي إعاقة الروح، وضمور في التفكير وتراجع في الهمة، وعندما تتوفر الإرادة يستطيع المرء أن يوظف قدراته ويتجاوز العقبات ويحقق النجاح).

العدد 1104 - 24/4/2024