نحن المعاقون أدناه

حسين خليفة:

عبارة كثيراً ما بتنا نسمعها ونستخدمها أحياناً في حياتنا اليومية (فلان معاق)، ويكون الحديث عن شخص طبيعي في وظائف الجسد لكنه يعاني من مشاكل في التعامل أو تقييم الأمور أو ترمى أحياناً على سبيل المزاح والتحبّب بين الأصدقاء.

والإعاقة ظاهرة طبيعية موجودة في كل مجتمع، وفي كل زمان ومكان، وهي العجز التام أو الجزئي عن القيام بوظيفة من الوظائف الأساسية للجسد كالعناية بالنفس، أو ممارسة العلاقات الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية الاعتيادية، أو هي عجز الإنسان عن الاكتفاء الذاتي في حياته اليومية، وحاجته المستمرة إلى إعانة من الآخرين، والى تدريب (تعليم) خاص يُمكّنه من ممارسة الحياة الطبيعية.

وهناك أنواع كثيرة من الإعاقات مثل السمعية أو البصرية، الجسمية والحركية، صعوبات التعلّم، صعوبات النطق والكلام، الاضطرابات السلوكية والانفعالية، التوحّد …الخ.

وتُعتبر مساعدة المعاقين، أو ذوي الاحتياجات الخاصة، واجباً اجتماعياً وأخلاقيا على جميع الجهات الرسمية والشعبية والدينية والسياسية، ومساعدتهم لا تتم كما يحدث عند الكثيرين حالياً بتوزيع (ظروف) أو أكياس فيها مبلغ مالي أو هدية، ثم الابتسام للكاميرات وتركهم مع آلامهم ومعاناتهم. وإنما تكون بتأمين كل ما يجعلهم قادرين على ممارسة حياتهم كما الآخرين دون أي شعور بالنقص أو الخجل من مشكلة لا يد للمعاق فيها، فهي جاءت إما من مشكلة خلقية أو مرضية، أو من حروب وكوارث.

وفي البلاد التي فيها قوانين ودساتير محترمة ومطبقة تلتزم جميع الفعاليات الاقتصادية بتخصيص جزء من أرباحها لرعاية هذه الفئة دون بروظة وإحسان ونشر صور المُحسن الكريم الرحيم، كونها واجب يفرضه القانون دون تمييز بين مُستثمر محدث نعمة أو تاجر حرب من أبناء الست، وصاحب مشغل صغير من أبناء الجارية، كما يحدث في السنغال.

يبقى إن الحرب الكارثية الطويلة والمستمرة بشكل أو آخر في بلادنا قد فاقمت هذه الظاهرة، وصارت نسبة الإعاقات لمن هم دون الـ17 عاماً من العمر تتجاوز 19 بالمئة بين إعاقات جسدية أو ذهنية، وهي ضعف النسب الاعتيادية.

هؤلاء ينتمون إلى جيل فتح عينيه على الحرب دون أن تكون له ناقة أو جمل فيها، لم يصمتوا على الوضع الذي خلق الأرضية الجاهزة للكارثة، ولم يُصفقوا للدجالين الذين باعوا الناس على مدى عقود شعارات ثم رموهم في أتون الحرب والخراب والفقر والجوع. هؤلاء أكثر من دفع ثمن حرب لم يعرفوا كيف ولماذا اشتعلت وتستمر. طبعاً إذا صعدنا في معدل الإعمار ستُصبح النسب مُخيفة بل مرعبة، ضحايا الحرب، من الشهداء الأحياء كما يحلو للإعلام الحربي تسميتهم.

لكننا نكاد نصبح مجتمعاً كاملاً من المعاقين إذا حسبنا ضحايا الكارثة من المرضى النفسيين وضحايا التعذيب والاعتقال والخوف والصدمات، عندئذٍ يمكن بكل ثقة أن تتجاوز النسبة نسب النجاح في انتخابات الإدارة المحلية مثلاً، أي بحيطان التسعين بالمئة.

المتبقون خارج هذه النسبة، ممّن يُفترض أنهم أصحاء، هم الذين استفادوا من الحرب، استثمروها، وتاجروا بدماء الضحايا والمهجرين والنازحين والغارقين في رحلات الهروب الجماعي، وبالتالي فإني أستطيع الجزم بأنهم ـ الذين يظنون أنفسهم ناجين من الإعاقة الشاملة ـ أكثر إعاقة من أي شخص على هذا الكوكب، إذ لا تكفيهم محاكمات عادلة لا بدَّ أن تُعقد يوماً نتمناه قريباً، بل يجب أن يدخلوا مصحات نفسية قبل كل الضحايا الذين ظنّوا غفلة أو غباء أنهم يحاربون من أجل الوطن تحت راية ما من رايات الحرب، لكنهم صدموا أنهم حاربوا من أجل إثراء أشخاص معدودين، وفقدوا أحبابهم ومنازلهم وأملاكهم من أجل أن يصعد الأثرياء الجُدد ويصبحوا واجهة المجتمع في الداخل والخارج، لكن الذين ما زالوا يصدقون كذبة أن هذه الحرب كانت من أجل الوطن هم المصيبة الأكبر، هؤلاء لا أمل في شفائهم.

إذاً ماذا نقول للمعاقين في يومهم؟

سنطلب منهم الرحمة والرأفة بنا نحن الذين يبدو علينا أننا بكامل الصحة والعافية، نذهب إلى أعمالنا كل صباح كالمعتاد، نحضر الحفلات والأعراس القليلة طبعاً، نمشي في الأسواق فتترصدنا كاميرات (الحياة طبيعية)، نتجاهل من يصرخون من أجل الخلاص، نعتبرهم في عالم آخر، حفاظاً على سلامتنا طبعاً.

نحن المعاقين إعاقة لا علاج لها يا إخوتنا المعاقين جسدياً. نحن الضحايا وإياكم.

ولا مخرج سوى بإنهاء هذه المهزلة، والعودة إلى حوار حقيقي على قدم المساواة بين جميع السوريين دون تكفير أو تخوين، والتأسيس على القرارات الدولية إن لم نستطع الاتفاق، وخاصة القرار 2254 الذي يُعتبر فعلاً بوابة الحل وليس الحل طبعاً.

سورية تحتاج إلى أناس أصحاء، أناس لم تدمّرهم الحرب والأحقاد من الداخل، فهل نجد هؤلاء يقومون بدورهم ويقودون جموع المعاقين إلى بلاد جديدة؟! لعلَّ وعسى!

 

العدد 1104 - 24/4/2024