شرق المتوسط.. مخاض يليه مخاض

وعد حسون نصر:

شرق المتوسط مخاض يليه مخاض والولادة عسيرة، وبحرٌ من الدم تتخضّب فيه أشلاء صغارنا وكبارنا، والصمت رهيب، بلادٌ كُتب عليها الشقاء، وكأنها كل ما أطفأت شمعة الخمسين عام بسلام لابدّ أن تعود من جديد لصراع يُغرقها في هاوية الخراب، فقر وعوز وتشرّد وتهجير، ضحايا وأشلاء، دمار وحرائق، وبيوت مُهدّمة دفنت تحت أنقاضها أجمل الذكريات!

نعم، هو شرق المتوسط، بلاد العرب وأرض فلسطين تودّع شهيداً تلو الشهيد، كما قال درويش، في غزّة شهيدٌ يودّع شهيد ويصورهما شهيد.. فصواريخ الحقد لا تُميّز بين رضيع ويافع، وبين شاب وشايب، تحصد أرواح الجميع دونما رحمة، ونصل إلى أنه حتى الملاذ الآمن ودار الرحمة والشفاء: المشافي، لم تسلم من بطشهم. استخدموا سياسة الأرض المحروقة في هذا البلد، قتلوا النبات قبل الإنسان، فلماذا كُتبَ على هذا الشعب أن يفاتل حتى يوم الدين؟ ولماذا خيّم الصمت على بلاد العرب من الفرات حتى النيل، من الخليج إلى المحيط؟ أين شعارات العرب الرنّانة عن الوحدة والحرية والاشتراكية وتحرير الشعوب؟  وأين جماعة الموت للعدو؟ هل أصابهم الصمم وأغلقوا أفواههم وأعينهم عن شلّال الدم في فلسطين؟ ألم تتحرك الكرامة بعد في رؤوسهم حيال ما يحدث على أرض غزة وقبلها جنين؟ أم هي المصالح والمكاسب يا سادة، جعلت منهم مشاهدين يبرعون في التحليل والهتاف من بعيد! أو لربما نفدت قوّتهم من شدّة ما تقاتلوا داخل البلد الواحد! ألستم من جاهد في اليمن وأمست بجهادكم يباباً منثوراً؟ ألستم أول من حرّض على بلدي الحبيب سورية وجعلتم منها أشبه برغيف مُغمّس بالدم، مُمزّق بين براثنكم كأشلاء طفل تنهشه الذئاب الجائعة!؟ أين دُعاتكم يخطبون في المساجد ويحثُّون على الجهاد كما فعلتم في بلدي؟ أين الدعم المادي والمعنوي واللوجستي الذي كنتم تقدمونه للجماعات العابثة في بلادي؟ أليس الأحق أن تقدموه الآن للشعب الفلسطيني؟ هم لا يحتاجون منكم طعاماً فقط، ولا وقفة تضامن في ساحاتكم وهتافات وحمل أعلام، هم بحاجة إلى أيديكم تدفع الظلم عن أجساد أطفالهم ونسائهم وشيوخهم وشبابهم، هم بحاجة إلى تجمّعكم معهم ليتمكّنوا من استرجاع أراضيهم وبيارات البرتقال وكروم الزيتون، خذلتموهم بالصمت الرهيب، باتوا على أرض الميدان وحدهم يصارعون البقاء ويودعون الشهيد بعد الشهيد، يبكون بقهرٍ وحدهم، ويتذوقون دمهم بطعم البرتقال والزيتون، عمَّ الصمت أمة العرب وعصبوا أعينهم بعصبة سوداء وأغلقوا النوافذ خشية أن تخرج منها أصوات قهقهتهم وهم يشاهدون مسرحية على إحدى القنوات، فلم تعد مشاهد الدم تُبكي المُقَل، ولم تعد أصوات الدمار تُحرّك الشعور، ولا رائحة البارود تخنق الأنفاس، لأن رنين الذهب ورائحة البترول والمخدرات والمصالح الشخصية طغت على كل هذا القهر..

ويبقى سؤالنا الوحيد: لماذا يا أمة العرب لم تتّحدي على الحقّ لنصرة فلسطين، كما اتحدتم لتدمير سورية وتشريد شعبها وتهجير آخر سوري فيها، وتركتمونا نحن وفلسطين الجريحة ننتظر دورنا في مكاتب الدفن علّنا نحظى بكفن!؟

العدد 1104 - 24/4/2024