شعوب مقهورة لا تملك سوى الانفعال والتعاطف

إيمان أحمد ونوس:

في كتابه طوق الياسمين، يقول الأديب الجزائري واسيني الأعرج:

(الإنسان العربي لا يعرف أنه كلما خطا خطوة إلى الأمام مُتحاشياً المزالق السابقة، وجد في طريقه من يأخذ بيده ويزجُّ به نحو الحُفر والمدافن).

للأسف، إنه توصيفٌ دقيق لواقع الشعوب العربية اليوم، تلك الشعوب التي سعت بعد الاستقلال عن المُستعمر لبناء دولة مدنية حضارية تنقلها إلى مصاف الدول المُتحضّرة، لكنها صُدِمَت بخنجر غُرز في قلبها كي تبقى هناك شمّاعات وفزّاعات تهزُّ اطمئنانها واستقرارها، خنجر يستنزف مختلف طاقاتها المادية والمعنوية خلال سعيّها لاستئصاله. كان هذا قبل أكثر من سبعة عقود ونيّف وما زال الحال مُستمراً حتى اللحظة وبأشدِّ مأساوية عمّا كان عليه.

لقد استنزف هذا الخنجر كل ما تملكه هذه الشعوب من قدرات وإمكانات كانت كفيلة ليس فقط باستئصاله، بل وكفيلة أيضاً بازدهارها وتطورها وصولاً إلى ما حلمت به بعد الاستقلال، خاصة أنها شعوب فتيّة يُشكّل الشباب عماد مجتمعاتها، ومعلومٌ أن الشباب هم عماد المستقبل في كل مكان وزمان، إضافة إلى أنها تمتلك من الثروات والمناخ والجغرافيا ما يؤهّلها لامتلاك ناصية التطور والتقدم على مختلف المستويات، لاسيما أن أبناءها يملكون من الإبداع والتميّز ما أبهر العالم حقيقةً حينما توافرت لهم مناخات ومجالات الإبداع.

غير أن تلك الشعوب ظلّت وحتى اليوم مُقيّدة عن أي فعل حقيقي سوى وجودها البيولوجي والانفعالي- العاطفي الذي استثمرته الحكومات المُتعاقبة لتوظيفه خدمة لمصالحها وبقائها أطول زمن ممكن تحت شعارات رنّانة استأثرت بعواطف تلك الشعوب وانفعاليتها المؤقتة حيال العديد من المسائل والقضايا الأساسية، خاصة تلك المُتعلّقة بالسيادة والاستقلال والكرامة وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي بقيت رغم كل ما جرى من قضم للأراضي العربية عامة والفلسطينية خاصة، بقيت القضية التي سعت الحكومات إلى تأجيجها بين حين وآخر لتفادي نهوض الشعوب ضدّ سياساتها التي عملت على نهب خيرات وثروات البلاد باسم تلك القضية غالباً!

إن المُتتبّع لواقع الإنسان العربي اليوم، لاسيما بعد أكثر من عقد شهدت خلاله العديد من الدول العربية حروباً داخلية إضافة إلى الكوارث الطبيعية والمناخية، يجد أن هذا الإنسان بات فاقداً للكثير من مقوّمات الإنسانية الحقيقية بسبب ما آلت إليه تلك الحروب من مجاعات وفقر وبطالة وتشرّد وتهجير خلخل بنيته النفسية والقيمية وحتى الأخلاقية ما أفقده القدرة على التعاطي مع مسائل حسّاسة ومصيرية كالذي عايشه منذ أكثر من عقد من الزمن، وكذلك ما يجري اليوم في غزّة وسواها لأنه مُشرّد، جائع، يعيث المرض والموت به كقدر محتوم لا يملك حياله حتى القدرة على التعاطف، فبقي الانفعال فقط سيّد الموقف سواء حيال قضاياه الخاصة والشخصية، أو حيال قضايا أخرى مصيرية كالقضية الفلسطينية.. وهنا نكون حقيقة أمام شعوب مخصيّة بفعل مختلف القوانين والأنظمة المُقيّدة لها، شعوب لا تملك سوى الانفعال والحدِّ الأدنى من التعاطف لا أكثر!!

العدد 1104 - 24/4/2024