مفاعيل تمشي على قدمين.. كم كنا سعداء؟

حسين خليفة:

نحن أبناء الشعب السوري(العظيم)، إلاّ نفراً قليلاً منّا، مفاعيل.. لدينا نحو عشرين مليون مفعول يمشي على قدمين، ملحوقاً بكل حروف الجر المُمكنة وغير المُمكنة.

مثلاً، هناك نفرٌ منّا مفعولٌ بهم، وهم الأغلبية الساحقة ـ الأغلبية نفسها التي تظهر في نتائج الاستفتاءات والانتخابات ـ وآخرُ مفعولٌ معه، ثم تأتيك الجماعات المفعول فيها ولها وعليها أيضاً. .. مفعول عليه؟!!

تخيّل مثلاً أن يكون في اللغة اسمٌ يُعرَبُ مفعولاً عليه!!

لكن بلا مجاملات وكلام مُنمّق ورطانة الخطابات الممجوجة عن شعب عظيم والصمود وقهر المؤامرة …الخ، بلا كل هذا الهراء، نحن شعب مفعول عليه بأكثر ما تحمله الكلمة من معنى، بل هناك مفعول عليه وسعيد ويحمد الله على نعمه، على أنه ما زال على قيد القهر ـ الحياة.

المفعول عليه هنا ليس بالضرورة أن يكون قد تعرَّض ـ أعزكم الله ـ إلى فعلٍ منافٍ للحشمة على بعض أنحاء جسده أو كلها، بل الأمر أفظع من ذلك بكثير.

المفعول عليه هو من يتعرّض لإهانة وهو يحاول أن يصل إلى مكان عمل (يتعربش) به، رغم كل سيئاته ومخاطره، ليقي أولاده شرَّ التسوّل على أبواب المقاهي وفي مواقف السرفيس وعلى الحواجز.. كأن يجلس القرفصاء في الممرِّ الذي يُحاذي أرجل الجالسين باطمئنان مؤقت على مقاعدهم في السرفيس، وتصرخ ركبتاه وظهره من الوجع وهو صامتٌ وسعيدٌ أيضاً: ما زلتُ أعمل!

إهانة أن يطرق بعض (الشباب الطيبة) باب منزله بعد منتصف الليل، يقتحمون خلوته وخصوصيته، وينبشون الموبايل والبيت الذي استأجره في حيٍّ غريب، بعد أن هُجِّرَ من حيّه الذي حوّلته الحرب إلى أطلال، لا واقفين عليها ليُلقوا قصائدهم، حتى القصائد تهرب خائفة!

هو مفعول عليه منذ أن قبل بلعبة مختار الحارة والأعوان في جمع هويات الناس وأخذها إلى صناديق انتخاب معروفة النتيجة، وإراحتهم من هذا المشوار، على قولة لا تنتخب، نحن ننتخب عنك.

منذ أن قبل بتهديد مديره في العمل إن لم يخرج في مسيرة مليونية ويحمل اللافتات والصور ويشارك في الدبكة والنخ وإلاّ…

هو مفعول عليه لأنه لم يجد مفراً من رشوة موظف النفوس ليعطيه إخراج قيد لابنه قبل الآخرين في الطابور الطويل غالباً، ثم تطورت الحالة حتى قبل أن يأخذ رشوة من مواطن مفعول عليه مثله وتكرّ السبحة لاحقاً.

كان مفعولاً عليه لأنه مُعرّض في كل حين لأن يؤخذ إلى جهة مجهولة من قبل جهة مجهولة، لكنه كان سعيداً لأن أخته أو زوجته تستطيع العودة وحدها الساعة الثانية بعد منتصف الليل دون أيِّ خوف بفضل الأمن والأمان!!

كان سعيداً لأنه يتدبّر أمره بالعيش براتب لا يتجاوز عشرة آلاف ليرة سورية في حين يبلغ مصروفه الشهري 40 ألفاً.

ولأنه كان يأخذ العائلة في صندوق (الطرطيرة أو السوزوكي) إلى الربوة أو الغوطة مرّة كل شهر، ليتمتّع بجمال الطبيعة مع آلاف المفعول عليهم مثله، يطبخون المجدرة أو الرز بفول مع شوائب لحمة، وأحياناً يشوون جوانح الدجاج ويشربون الكولا أيضاً.

لذا تجده يتحسّر على زمن ما قبل الكارثة، وكأنها جاءت كعاصفة ربيعية بلا مقدمات هيأت لها، وبلا أرضية صارت بمعيّة أولي الأمر أكثر من جاهزة لتعبر (المؤامرة الكونية) كما يحلو لبعض المفعول بهم وعليهم أن يعيدوا ويكرروا.

كنا مبسوطين.. تسمعها في كل مكان، والآن لا داعي للشرح كم نحن (مبسوطون)!
لا داعي للإشارة إلى مخزون القهر الذي يكاد يطوف ويخرج من صدر كل سوري، لكن سدود الخوف ما زالت عالية متينة مُحكمة الإغلاق، تتكئ على إرثٍ تاريخي راسخ منذ أول حجاج وطئ أرض العرب حتى آخر جلاد يموت الناس بين يديه وهو يغني.

ألف أمّ تبكي ولا عين أمي تدمع، امشي الحيط الحيط وقول يا رب السترة، حط راسك بين الرؤوس وقول يا قطاع الرؤوس…الخ

لدينا رصيد هائل من الأمثال والقصص التي زرعت وسقت ثقافة النأي بالنفس على قول الأشقاء اللبنانيين، وفي الوقت نفسه يُردّد بعض الخبثاء المتآمرين قصة الثيران الثلاثة، التي تكاثرت في عصرنا، وأصبحت بالملايين، لكنها كلها أُكِلت يوم أُكِل الثورُ الأول… وما زالت تؤكل نيئة مقطعة الأوصال أو مطبوخة أو محروقة أو تحت الأنقاض.

 

husenkhalife@hotmail.com

العدد 1104 - 24/4/2024