الشباب بين مرارة الواقع ومثالية الوهم

د. عبادة دعدوش :

يُقال إنّ للهروب طرقاً عديدة وجميعها ستُحدث اضطراباً ما لدى الفرد، لأنه سيُحمّل نفسه عبئاً آخر فوق حالته، ولعلَّ ما سيُخلّفه سينعكس عليه وعلى المجتمع ككل. وإحدى أهمّ تلك الطرق هو العيش بالأوهام هرباً من الواقع المعيش ما دام ذلك الواقع لا يُفضّله الفرد أو لا يتوافق مع أحلامه واحتياجاته، فيصنع لنفسه عالماً آخر مُتجاهلاً أنّ وجوده في المجتمع يتضمّن حقوقاً وواجبات.

وشباب اليوم هم في مفترق طرق، يعيشون خلاف ما يتمنّون، ويتمنّون خلاف ما يعيشون، وواقعهم يتطلّب غير ذلك.

لا عيب أن نحلم، و ليس بأمر خاطئ، لكن السؤال هنا، هل نحن قادرون أن نصنع طريقاً سليماً يتناسب مع أهدافنا وطموحاتنا بعزيمة، أم نحلم فقط دون أن نسعى؟!

ما يتجه نحوه الشباب اليوم هو الوهم والأحلام الزائفة والإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي دون فائدة، بل بمضيعة للوقت وتعبئة مُبالغٍ فيها للعقل بما هو من محض الخيال والعالم الافتراضي، وانتظار العون بدلاً من السعي والاتجاه نحو بناء الذات والتعلم واكتساب المهارات.

ولعلَّ الملل يلعب دوراً كبيراً في تخليهم عن الاستمرار والمحاولة للنهوض بذاتهم نحو قمم النجاح. فما إن يبدأ الفرد ويشعر أن الأمر يحتاج للالتزام نراه يتخلّى ويعود للكسل والعيش في الأوهام وانتظار مصباح علاء الدين الذي سيُحقق له ما يريد من مسحة كف فقط وهو مكانه.

ما هي مبررات الشباب اليوم لعدم العيش في الواقع ؟

*ضياع الجهد عند وجود الفساد.

*تردّي الوضع المادي للإقدام على أيّة خطوة تحتاج لرأس مال.

*التمسّك بفكرة الهجرة والتغافل عن مدى خطورة تلك الخطوة في حال عدم امتلاكه لأيِّ مهارة.

*قلّة أو ضعف الأجور بحيث لا يتناسب الأجر مع الوقت والجهد المبذول.

*التّسرّع في اتخاذ القرارات  الناجم عن عدم الوعي.

*عدم اهتمام الأهل بميول أولادهم وإعطاءهم الوقت الكافي لإرشادهم وسماعهم.

*تجاهل أهمية عمر المراهقة، وعدم التركيز على فئة الشباب الذين يعانون من اضطرابات نفسية.

نحن نعلم بأنّ الكثير من المبررات ما هي إلاَّ حُججٍ لا أكثر، لكن يوجد منها ما يحتاج إلى اهتمام ومراعاة لنُعيد لشبابنا طرق التفكير السليم. فالوهم المُعاش اليوم قاتل ومُدمّر لمستقبل الشباب كونه يجعلهم في عالم غير حقيقي وبشخصيات ليست شخصياتهم، وهذا ما يمنعهم من الانسجام مع الواقع والتكيّف مع أفراد المجتمع الذي يعيشون فيه، وفوق كل هذا يكون غالبيتهم عاطلين عن العمل والتعلم.

فحتى يتّجه شبابنا نحو الهدف المُراد لابدَّ من السعي والتدريب على بناء مهارات تُعزّز من شخصياتهم وتخلق لهم فرصاً للعمل والسفر والنجاح في الحياة، لأننا نعلم أنّ ليس للإنسان إلّا ما سعى.

وعندما يؤمن الفرد بنفسه وقدراته، سيخلق فرقاً في حياته وحياة من حوله، وسيكون ذا إنجاز عظيم، وأروع الحلول هي اللجوء لذوي الخبرة والمعلمين، وقراءة قصص حياة كبار الناجحين والعلماء والملهمين والتعلّم والاستفادة ممّا عاشوه.

لا يكفي أن تريد بل أن تسعى، ولا يكفي أن تقول أتمنى، بل أن تبدأ وتقول لقد ملكت ما أتمنى.

عِشْ اليوم وكأنه آخر يوم، واترك لك أثراً يُحتذى.

العدد 1105 - 01/5/2024