مُقلٌ ترنو للسفر

وعد حسون نصر:

مُقلٌ ترسم أحلامها خلف سور القهر، تُعلّق آمالها على السفر والغربة، تريد أن تخرج من مستنقع الذلِّ لتـتـنفّس طعم الحياة، طوابير من الناس تقف على شبابيك الهجرة والجوزات كي تحظى بجواز سفر، وهم من كل الأعمار، الكبير قبل الصغير، والطفل قبل اليافع، جميعهم يودون الرحيل، وعندما تسألهم إلى أين سفركم، تكون الإجابة إلى أيِّ مكان.. المهمّ السفر، الخروج من هذا المنفى، من الموت ومن القبر الخانق لأنفاسنا، باتت أرواحنا تكتظ بالقهر، وغصّة الموت عالقة في البلعوم، نحن نختنق نريد الخروج للهواء الطلق خارج هذا المكان العفن، كنّا نُردّد في الأهازيج والأفراح عزّ البلاد رجالها، الآن باتت البلاد لكبار السن والأطفال والنساء، لا يوجد شباب من الجنسين، وهذا طبيعي اليوم، فكيف لروح مفعمة بالنشاط والحب وتنبض بالحياة، كيف لها أن ترضخ للموت وترضى أن تبقى بين جدران باردة عفنة، لا صيف يأتي عليها مزركشاً بملابس فرحة ورحلات وحياة سعيدة، ولا الشتاء يأتي حاملاً أحلامهم الدافئة وأكلاته الساخنة ورائحة مطره، الصيف حارٌّ لا كهرباء ولا ماء ولا عمل ولا فسحة ولا ملابس مزركشة، فكلها رثّة بالية تصفر من ثقوبها نسمات حارة، والشتاء بارد لياليه طويلة عتمة وظلام ورياح تصفر وتنثر الكآبة، فلماذا يمكث الشباب بهذا القهر وهم قادرون على نشر الفرح خارج الجدران العفنة؟

حلم السفر بات رفيق الجميع، لأنهم يجدون فيه الحياة، يجدونه النجاة من القهر، يتطلعون خلف السور وكأنهم يرنون إلى حياة تنبض من جديد في نفوسهم، منهم من يُخطّط لمستقبل علمي، وآخر لجمع المال والحياة الكريمة، وهذا يحلم بالكرامة والكلمة الطيبة والإنسانية، الكل بأحلامه المختلفة يرى في السفر نجاته، يرى انطلاقة جديدة لحياة كريمة، فلماذا لا نحتضن الشباب ونحوّل طاقاتهم وأحلامهم إلى واقع حيّ، نعمر معهم البلد، نأخذ الإيجابية من أفكارهم ونعمل عليها لنُحيي البلاد بروحهم اليافعة، فبدل أن نجعلهم يسافرون ليبرعوا بالتعليم خارج البلاد، لم لا نجعلهم يبدعون في جامعاتنا، وبدل أن يبدعوا بالعمل والاختراعات خارج هذا البلد، لماذا لا نستفيد من طاقتهم الشبابية لنهضة البلد؟

أرجوكم، أعيدوا الحياة للبلد المهزوم الميت، أعيدوا الشباب لحضنه لينهض من جديد، وفّروا لهم فرص العمل، أعطوهم حقهم في العلم والإبداع ليبدعوا، احتضنوا طموحاتهم احتضنوا شغفهم، فنحن شعبٌ يحبُّ الحياة، فلا تقتلوا فينا الحياة، وبدل أن نضع كل الأمل بالسفر، لماذا لا نضع كل الأمل بالبلد، نجعل من حدائقه فسحة لكباره وملهماً لشبابه وملعباً لأطفاله، ومن مقاعد دراسته نهضة للعلم ومكاناً تخرج منه العلوم، ومن مختبراته نجعل انطلاقة الأبحاث والاكتشافات، احموا شبابنا من الضياع ليجدوا أنفسهم ويعيدوا لنا البلد بعد أن ضاعت منّا.

 

العدد 1104 - 24/4/2024