الخوف وباء يسكننا

وعد حسون نصر:

الخوف وباء يقطن داخلنا منذ الولادة، يُعشّش في نفوسنا وأفكارنا عاماً بعد عام، فتبدأ رحلة المخاوف ربما من المجهول ومن المستقبل، من الحاضر من الماضي، حتى من أنفسنا ذاتها، ممّن حولنا، ومن قول الحق، من رفض الظلم والذل، من التذمّر والتمرّد. نخاف أن تدغدغ رائحة الحب أفكارنا، نخاف من الحرية تلوح في عقولنا، من التلفّظ والتفكير بالسياسة، وكلما حاولنا كسر هذا الخوف المميت نركن بصمت مستسلمين لمئة فكرة وفكرة، ونبدأ بالتساؤل: ماذا سيحصل بعد هزيمة الخوف وكسر قيوده التي كبّلت نفوسنا وعقولنا؟

أسباب كثيرة تكمن وراء هذا الخوف، ربما يكون رفض التغيير والاستسلام للواقع وجعل هذا الواقع بقساوته علينا المحرك لحياتنا والمسيطر الأقوى علينا، وأبسط مثال إذا حاول البعض تغيير ديكور منزله، فإنه يخشى من العبث بالمنزل ومن زيادة التكاليف، فيعزف سريعاً عن فكرة التغيير خوفاً من التغيير ذاته. كذلك قوة تأثير كلام الناس ونظرتهم بعضهم إلى البعض الآخر، فعلى سبيل المثال إذا حاولنا أن نغيّر مظهرنا الخارجي، ونخلق روحاً من الفرح ونجلس بمكان عام نغني ونطلق الضحكات ونعزف الموسيقا ونرقص، بلا شعور نردّد فيما بيننا: الرجاء الهدوء، والتخفيف من صوت الفرح لكيلا يتكلم علينا الناس!  كذلك في تغيير ملابسنا أيضاً نخشى التغيير خوفاً من نظرة الناس إلينا وإلى مظهرنا الجديد وملابسنا، وماذا سيتكلمون عنّا.

لعلَّ أهم الأسباب هو الكبت الذي يجعلنا نرفض التصريح بما يجول في داخلنا، فنحن تربّينا على كلمة العيب: (عيب أن ندافع عن أنفسنا، عيب أن نصرّح برأينا أمام الكبار، عيب أن نضحك، عيب أن نثور على عادات سرقت منّا شخصيتنا، سرقت الثقة والفرح والحرية). هذا الكبت المُقيّد لمشاعرنا هو أكبر سبب للخوف من كل شيء جديد، وأكبر خوف لرسم الثقة والفرح على وجوهنا وملامح شخصيتنا.

حتى التغيير في البلاد ورفض الظلم ورفض الاستغلال ورفض القهر لا يمكننا أن نتجرأ بالتفوّه عنه بسبب الخوف من التحدث بالسياسة خشية أن تكون لجدراننا آذان، خشية أن يكون من يشاركنا الحديث شخص مُخبر، مع العلم أننا جميعاً مهزومون مكسورون ينقصنا الكثير لنحيا في هذا البلد، جميعنا يعلم أن ثرواتنا باتت منهوبة، أزمتنا جرّدتنا من كرامتنا، الغلاء والسرقة واستغلال الحصار جعلنا تحت خط الصفر، وهنا نخشى حتى التفوّه بحقوقنا خوفاً من عاقبة هذا التفوّه، لذلك نبقى مكاننا ونردّد في صمت: الله وحده الفرج!

وبالتالي، وإذا ما رغبنا بكسر حاجز الخوف من نفوسنا علينا أن ننتصر على الأسباب، أن نعلن حبّنا إذا دغدغ نفوسنا، أن نرتدي اللون الأحمر إذا ثارت مشاعرنا، أن نغني إذا فاضت قلوبنا بالفرح، أن نرقص إذا داعبت الطبول أقدامنا، أن نثور إذا لمست الحرية أفكارنا، أن نهدم الجدران إذا خشينا من آذانها، أن ندحض أفكار الذلِّ في عقول الأشخاص القاطنين أمامنا، والتي نرى فيها المُخبر الأول عن ثورة عقولنا. فلكي نبني إنساناً مغسولاً من رِجس الخوف علينا أن نهزم التنين المُترعرع في نفسه منذ أن يأتي للحياة حتى مفارقته لها، كذلك لكي نبني وطناً بلا خوف علينا أن نبني إنساناً صاحب ثقة ونصمّ آذان الجدران كي تغتال خوفنا من فكرة سماعها لصوت الحق الثائر في نفوسنا وأفكارنا يخطّها كلاماً مُعلناً من شفاهنا.

العدد 1105 - 01/5/2024