العطاء نعمة.. متى يصبح نقمة؟

د. عبادة دعدوش:

إن العطاء من أهم القيم التي يتحلّى بها الإنسان ويبلغ بها أعلى مراتب السعادة، عندما يبذله من قلبه وبنيّة صادقة.

عندما كُنّا أطفالاً كان يُقال لنا دائما ًبأن من لا يعطي لا يعطيه الله وأن العطاء نعمة. وفعلاً عندما كبرنا على قيم فضيلة كالعطاء، زادت أرزاقنا وأصبحنا روحياً آمنين نشعر بالنشوة والسعادة عندما نعطي من قلوبنا.

لكن السؤال اليوم: أين وكيف أصبح العطاء يُقدَّم بإفراط ويُقابَل صاحبه بعدم التقدير؟!

إن الإفراط في العطاء يُعلّم الناس الاستغلال، إضافة إلى أي نوع من أنواع العطاء سواء كان مادياً أو معنوياً حاله كحال التسامح، فالإفراط فيه يُعلّم الغير التهاون في الحقوق، كما الطيبة، فالإفراط فيها يجعل الإنسان يعتاد الانكسار، ويبقى الحال نفسه مع التفريط، فالتفريط بأيِّ شيء يقدمه الإنسان يُحمّله عبء أن يبقى تحت رحمة أن يُخذل مرّةً واثنتين وثلاثاً وألّا يُقدَّر.

لقد وقع كثير من الناس في الإفراط، وكانت النتيجة بقاءهم حبيسي غيرهم وحبيسي استهجان الغير والانكسار.

الإفراط في العطاء لا يخلق أبداً أشخاصاً مخلصين، بل أشخاصاً اتكاليين، عديمي الثقة بالنفس.

إضافة إلى المشكلات التي يقع فيها مَن يجعل رأي الناس وقبولهم في المرتبة الأولى متناسياً عزة نفسه وثقته بالله ونفسه، فمن يبقى معتمداً على رضا الناس وجعلهم يمتصون طاقته سيضيع عمره سُدىً وسيُقلّل من قيمته كإنسان له قيمه ويمشي معتدلاً في حياته وفي أسلوبه.

العطاء نعمة كبيرة، لكن جعله مبالغاً فيه، وممارسته بإفراط، يجعله نقمة تودي بالكثيرين إلى ضياع النفس والبقاء تحت رحمة الغير دون تقدم ودون نجاح.

العدد 1105 - 01/5/2024