شباب سورية.. التغييب الكامل عن الفعل

حسين خليفة:

سؤال مهم وجوهري وحسّاس: ما هي أسباب ضعف نسبة مشاركة الشباب بالأحزاب السياسية في سورية أو عزوفهم عنها كليّاً لدى البعض؟؟

قبل أن نتحدث عن موضوع ضعف مشاركة الشباب في الأحزاب السياسية في سورية، لا بدّ أن نحاول تعريف الحزب السياسي، ما هو الحزب؟ وما هي مقوماته وأركانه وميزاته؟

تتقاطع معظم التعريفات للحزب السياسي بأنه تجمّع مواطنين يتقاسمون الأفكار نفسها ويجتمعون لغرض وضع مشروع سياسي اقتصادي اجتماعي مشترك حيّز التنفيذ للوصول بوسائل ديمقراطية وسلمية إلى السلطة السياسية وقيادة شؤون الدولة.

وهو يختلف عن التعريف الماركسي للحزب الذي يرى أن الحزب تعبير عن مصالح طبقة أو حلف طبقات لغرض تمكينها من استلام السلطة وتحقيق مصالح الطبقة أو الطبقات التي يمثلها الحزب.

ترد إشارة سريعة في البيان الشيوعي الذي صاغه المعلّمان ماركس وانجلز (1848) إلى موضوعة الحزب والطبقة:

(انتظام البروليتاريا في طبقة وبالتالي في حزب سياسي، تنسفه مُجدّداً في كل لحظة المزاحمة بين العمال أنفسهم، لكنه ينهض مراراً وتكراراً أقوى وأمتن وأشدُّ بأساً، يستفيد من الانقسامات في صفوف البرجوازية، فينتزع الاعتراف على وجه قانوني ببعض مصالح العمال).

ثم تبلور لاحقاً في كتابات فلاسفة الماركسية وكتابات لينين قائد ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا 1917 دراسات مستفيضة عن تمثيل الحزب لطبقة أو لتحالف طبقات تجمعها مصالح مشتركة.

إذاً يمكن اختصار الموضوع بالمصفوفة التالية: أفكار يؤسّسها فلاسفة ومفكرون، أو تتناقلها الأجيال كمقدسات وانتماءات ـ أفراد أو طبقات تلتقي مصالحهم وقناعاتهم ـ قوى سياسية تجمع هؤلاء وتناضل من أجل تحقيق أفكارهم ومصالحهم وذلك عبر الوصول إلى السلطة إما بانتخابات أو بالعنف.

مشكلتنا في سورية أن (نصيبنا) من التاريخ كان الكلمة الأخيرة في التعريف.

فلم يسبق أن حُكمت سورية عبر انتخابات سوى بُعيد الاستقلال حتى عام 1958 وقد تخلّلتها فترات انقلابات عسكرية كانت فردية في معظمها وتفتقر إلى وجود حزب أو حركة تقف خلف (الزعيم) الذي قام بالانقلاب، وبالتالي كان عمرها قصيراً، وتوّجت بأربع سنوات عاشت سورية فيها حياة برلمانية حقيقية مع تنمية ونهضة اقتصادية كانت تُبشّر بولادة دولة قوية مستقرة مهيبة تحرسها الديمقراطية أولاً ودائماً.

لكن انقضاض جمال عبد الناصر وحلفائه من الأحزاب القومية على التجربة كان سريعاً عبر الوحدة السورية المصرية 1958 التي نسفت كل التجربة، وأسّست لحكم الحزب الواحد مع إلغاء الأحزاب وحظر الأحزاب التي رفضت حلَّ نفسها (مثل الحزب الشيوعي السوري) وأسّست للدكتاتورية المطلقة عبر القبضة الأمنية التي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا مع اختلاف اسم الحزب طبعاً.

نستطيع القول إن عبارة الحزب السياسي بالمفهوم الذي عرفناه قد غاب عن الحياة السياسية في سورية منذ ذلك الوقت، فقد صار تعريف الحزب بأنه مجموعة أفراد يريدون تقاسم المنافع ولو كانت فتاتاً مع الحزب الحاكم، ويحتفظوا بشعارات عامة لا تمسُّ الوضع القائم، مُتجنبين تماماً طرح موضوعة السلطة وتداولها، وزُجّ بمن رفض هذه الصيغة البائسة من العمل السياسي والحزبي في السجون أو تشتّتوا في المنافي.

بعد هذا الاستعراض السريع لتاريخ العمل السياسي والحزبي في سورية لا أظن أن هناك داعياً للسؤال عن سبب غياب الشباب عن المشاركة في العمل الحزبي والسياسي، لكننا سنحاول تقديم بعض الإجابات عن ذلك بالنسبة للشباب تحديداً:

1 ـ احتكار الحزب الحاكم للعمل بين الشباب تحديداً، فقد وافقت الأحزاب المنضوية في ما سُمّي بالجبهة الوطنية التقدمية على حظر العمل بين صفوف الطلاب والجيش والنساء، وتركه حكراً على حزب البعث، وأصبح الطفل أول ما يدخل المدرسة عضواً بالضرورة في منظمة طلائع البعث التي تلقمه أفكار الحزب قبل أن ينشأ لديه أي مفهوم للسياسة، ثم تستلمه منظمة اتحاد شبيبة الثورة وهي أيضاً منظمة رديفة للحزب وتُهيئ الشاب ليصبح عضواً في الحزب، ثم يأتي اتحاد الطلبة في الجامعة، الذي لا يختلف عن المنظمتين السابقتين في شيء إلاَّ في شكليات بسيطة لا تقدم ولا تؤخر.

كما احتكر (الحزب القائد) النقابات والاتحادات والمنظمات النسائية وحتى الجمعيات الخيرية أصبحت تخضع تماماً لجهات داخل السلطة تُحدّد مجالس إداراتها ونطاقات عملها وتخضع لمراقبة صارمة.

فمن أين سيتعرف الشباب على الأحزاب الأخرى؟

الأحزاب التي رفضت هذه الصيغة من الحكم انتقلت إلى العمل السري وتعرّضت لتصفية شبه كاملة بالاعتقال والنفي.

فيما قبلت الأحزاب التي انضوت في الجبهة بالإبقاء على كوادرها الذين شاخوا وتحولت هذه الأحزاب للأسف الى ما يشبه أندية للمتقاعدين أو للمحاربين القدماء، يستعيدون أمجاد الماضي أيام الاحتلال الفرنسي أو أيام الحكم البرلماني قبل ان يأتي حكم الحزب الواحد، وربما تمكّن بعض الأعضاء من جذب أبنائهم أو بعض أقاربهم لمنظمات شبابية تابعة للحزب كانت تعمل في الظلّ ودون ترخيص، لكنها بقيت مشلولة وغير فاعلة.

هكذا صار الشباب كلهم رفاقاً في حزب البعث بغض النظر عن اقتناعهم بأفكاره وأيديولوجيته، وانزوى من نجا منهم بعيداً عن العمل السياسي والأهلي، والتفت إلى مستقبله المهني والعلمي ثم تسرّب معظم الشباب إلى خارج البلاد مع انفجار الوضع عام 2011 بسبب إصرار السلطة على الاستمرار في الحكم بالطريقة نفسها التي عفا عليها الزمن.

وما زال النزيف مستمراً لشبابنا الحالمين بوطن ديمقراطي علماني لجميع السوريين إلى خارج الوطن أو إلى المقابر والسجون.

العدد 1104 - 24/4/2024