شبح السياسة

وعد حسون نصر:

شبح السياسة العابث في نفوس الأهل، للدرجة التي أضحى التلفّظ بكلمة عنها وخاصةً من قبل الأبناء مرفوضاً داخل الكثير من المنازل، ربما أسباب كثيرة أدّت لإبعاد الأهل أبنائهم عن الخوض في ميدان السياسة، لعلَّ أبرزها محاولة الأهل عدم تكرار تجربتهم مع السياسة عند أولادهم وخاصةً إذا انتهت هذه التجربة إلى انعدام الثقة بينهم وبين قادة الأحزاب، كذلك العمل على الأرض للكثير من الأحزاب، والشرخ بين أهدافها وعملها جعل الكثير من الأهل يرى أن الانخراط بالسياسة والخوض في ميادينها عبارة عن مضيعة للوقت وضياع في التُرّهات أيضاً.  استغلال البعض منها صفته الحزبية ليعيث في البلد فساده، وهذا ما لاحظناه خلال سنوات أزمتنا السورية، الانتشار المفاجئ للكثير من الأحزاب تحت مسميات مختلفة لتتخذ من ذاتها مقوماً لسلوك البعض وسلطة تفرض هيمنتها وتسمح لذاتها بحجز الأفراد والتحقيق معهم وكأنها أحد فروع الأمن في البلد. كذلك مخاوف الأهل من التجارب السابقة في العمل السياسي من استغلال الأزمة والعبث الداخلي والفوضى لتصفية بعض الأشخاص من قبل ضعاف النفوس تحت مُسمّى مُخرّب وأفكار منافية لسياسة الحزب والبلد.

الصراع بين المبادئ المترسّخة في أذهان البعض وبين العبثية على أرض الواقع وخاصةً من قبل قادة الأحزاب وانجرار بعضهم لتمرير مصالح شخصية تحت مسمى الصفة الحزبية، مخاوف الأهل من الاعتقالات والتغييب القسري لأبنائهم جعل الكثير منهم يقف سداً منيعاً بوجه أبنائه لإبعادهم عن الانخراط بأي حزب وأي عمل سياسي، كذلك مجريات الأحداث وخاصةً في هذه المرحلة المتخبطة وظهور فئات وجماعات جديدة على الساحة مطلقة على تنظيمها تسمية تتعارض مع المبدأ الحقيقي للنضال والتخبّط والشعارات جعلتنا نحن الأهل نسعى لإبعاد أبنائنا ليس فقط من ميدان السياسة بل لخارج حدود بلادنا وخاصةً بعد ظهور تنظيمات دينية همّها الوحيد الوصول للسلطة، فلا هم إن أُطلقت اللحية زيّاً لتتستر من عورة أفكارها وبثِّ سمومها في دماغ جيل الشباب.

كنّا نقول إن الدين أفيون الشعوب، فبتنا نرى أن السياسة هي الأفيون القاتل لروح شبابنا، فمع تعدّد الرايات والشعارات والمقرات وحتى الغرفة السرية والتنظيمات والاتجار بالقيم والأخلاق لا أظنُّ أننا سنرضى لأبنائنا الدخول إلى مستنقع السياسة، ليغدو هنا إبعادهم عنها واجباً علينا وأمراً وفرضاً وليس طلباً. الساحة وما يجري عليها  توضح لنا حقيقة الأمور وما يجري خلف الكواليس، فقل ما تشاء ونحن نفعل ما نشاء، والدليل هو الانقسام في الشارع السوري ولغة التخوين بين البعض، والشعارات التي لا تمتُّ للثقافة والأخلاق بأي صلة كأنها شعارات لتنظيمات إرهابية وليست للأحزاب الاشتراكية، لتغدو التنظيمات والأحزاب الدينية واضحة بأهدافها أكثر بكثير من التنظيمات المدنية وشعاراتها بالحرية والاشتراكية، وهذا سبب كفيل لانعدام الثقة وعدم السماح لفلذات أكبادنا بالانجرار لأي حزب أو تنظيم، فلا نريد أن نخسر أرواحاً شبابية جديدة فداء لحزب يترأسه شخص همّه الوحيد الظهور كبطل منتصر ورمز، مع العلم أنه من الداخل منافي لكل عباراته وتصرفاته الطنّانة والرنّانة.

كذلك لا يغيب عنّا الواقع المعيشي والاقتصادي الذي فرض على أبنائنا العمل من أجل تأمين سبل العيش من مصروف طعام ودراسة ولباس جعل الشباب بحدِّ ذاته يعزف عن فكرة الانخراط بأي عمل سياسي، وبالتالي لابدَّ أن نخلد لفكرة أن هذا الوطن للجميع، فلماذا لا نجعل من الدين خلوداً لله وحده، وننشر السلام، ونُعزّز الحب والفن، والأمل في نفوس الشباب، ونبعد الأحقاد والمصالح لنرى أن الوطن تحوّل إلى جنّة خضراء من دون شعارات ومن دون أحزاب.

العدد 1105 - 01/5/2024