رسول حمزاتوف بين جبال داغستان وقاسيون

أصدرت وزارة الثقافة السورية كتاباً بعنوان (رسول حمزاتوف بين جبال داغستان وقاسيون)، من تأليف الشاعر الدكتور أيمن أبو الشعر.

والعنوان في الحقيقة بالغ الدلالة لعدة أسباب، أهمّها: أن حمزاتوف شاعر محبوب من الأوساط العربية عموماً والسورية بشكل خاص، ثم إن الشاعر زار سورية واستقبل بشكل رائع من الشعب السوري والجالية الداغستانية الكبيرة في سورية، وأقيم له استقبال تاريخي في بلدة دير فول شمال حمص، التي جل سكانها من الداغستانيين.

يتألف الكتاب من ثلاثة توجهات رئيسية حول حمزاتوف، وانطباعات الدكتور أيمن عنه في إطار صداقة استمرت لسنوات بينهما، ثم تقييم الشاعر أيمن لنتاج صديقه الشاعر العالمي حمزاتوف ومنهجه الإبداعي، والقسم الثالث هو مختارات شعرية ترجمها أيمن أبو الشعر محافظاً على نكهة حمزاتوف.

هذه التوجهات الرئيسية الثلاثة قسمها المؤلف حسب مضامينها الفرعية إلى اثني عشر عنواناً لها أهميتها الخاصة من خلال مضامينها الاستثنائية:

-البواعث، ويتحدث فيها عن وعد قديم قطعه أيمن أبو الشعر لصديقه حمزاتوف في اللقاءات الأولى، وكان الدكتور أيمن يعدّ أنطولوجيا الشعر السوفييتي، وطلب منه حمزاتوف أن يفرد مؤلفا عنه ولو صغيرا، لكنه لظروف حياتية وإنسانية لم يستطع خلال سنين عديدة الوفاء بوعده، وقد تحقق هذا الوعد الآن بإصدار وزارة الثقافة السورية هذا الكتاب بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد حمزاتوف، كما أنها فرصة للدفاع عنه بعد الهجوم المبطن الذي يحاول أن يصوره على غير ما كان عليه.

– ويكتب أيمن أبو الشعر تحت عنوان فرعي (إرهاص مرحلة حاسمة) عن أجواء المرحلة الحاسمة التي تعرف إبانها إلى حمزاتوف، وحملت مفارقة كبيرة في أنها مرحلة السير نحو انهيار الاتحاد السوفييتي، وفي الوقت نفسه كانت مرحلة خصبة بالنسبة للشاعر أيمن من خلال مساهماته في النشاطات الإبداعية وتعرفه على العديد من المبدعين الروس وبضمنهم حمزاتوف.

– ثم يتحدث عن مرحلة الصعود والشهرة والانتشار السريع الواسع لشعر حمزاتوف، وتحول قصائده إلى أغان ما ساهم أكثر فأكثر في انتشارها، لكن ذلك كما يشير المؤلف كان عملة ذات وجهين بل نصلاً ذا حدّين، فبما أن حمزاتوف يكتب باللغة الأفارية، وتترجم قصائده إلى الروسية، ومنها إلى اللغات الأخرى، فإن هذا الأمر جلب همّاً كبيراً لحمزاتوف يتحدث عنه المؤلف لاحقاً بإسهاب من خلال حواراته مع الشاعر في بيته، لكنه هنا يركز على الجانب السياسي، فهو يؤكد أن حمزاتوف عانى كثيراً إبان مرحلة البريسترويكا، فقد بدأ الهجوم باسم شعار العلنية على كل الماضي وخاصة الرموز السوفييتية، وكان بديهياً أن يشمل الهجوم والتشهير حمزاتوف، لأنه أحد الرموز الكبيرة للاتحاد السوفييتي، ومن الطبيعي أن يكون حمزاتوف في الضفة الأخرى من موقع غورباتشوف ويلتسين.

– يفرد الشاعر أيمن أبو الشعر مساحة هامة من كتابه لزيارتين هامتين إلى بيت الشاعر رسول حمزاتوف غير بعيد عن تمثال ماياكوفسكي، وإهدائه له عدة مجموعات شعرية منوّهاً بأن إهداءه بحد ذاته كان غير عادي، فقد جاء في إهدائه إحدى المجموعات: (إنه يتمنى لصديقه الشاعر أيمن كل ما تتمناه روحه، وأقرباؤه وأصدقاؤه، وحتى لخصومه ما يتمناه هو لهم). وكان الإهداء الآخر شاعرياً مختصراً طفولياً رائعاً: (شعاري: عاش صديقي أيمن أبو الشعر). هذا الجانب النوعي ترك أكبر الأثر عند المؤلف، وفي الزيارة الثانية كان مع المؤلف الشاعر الدكتور راتب سكر، وكان له حضوره المميز حتى في تهدئة حمزاتوف حين انفعل نتيجة الهجوم الذي يتعرّض له، موضحاً أن كبار الشعراء في العالم انتقلوا إلى مختلف البلدان عبر الترجمة بمن فيهم شكسبير وأراغون وبابلو نيرودا، فلماذا التشكيك بحمزاتوف؟! لكنه أكد أن الصراع لم ينتهِ بعد، وكرّر عبارة نقلها عن صديق أبيه أبي طالب: (من يطلق النار على الماضي من مسدس سيطلق المستقبل عليه النار من مدفع).

– ويتحدث الدكتور أيمن بعد ذلك عن قصائد حمزاتوف وأسلوبه المعبر السهل الممتنع، ويحضر أمثلة حية من شعره على تلك الجوانب ملخصاً هذا المذهب بأنه بسيط وحكيم، وصوره شفافة تحضن في بساطتها مضامين يفهمها اللبيب.

– في القسم الثالث يقدم الشاعر أيمن أبو الشعر مجموعة مختارة من أشعار حمزاتوف بترجمته، نختار منها:

 

لو ألف رجل

إن كانَ في هذا العالمِ ألفٌ من الرجال

يمضونَ نحوكِ كيما يخطبوك

فاعلمي أنَّ بينَ هؤلاءِ الرجالِ الألف

موجودٌ أنا -رسول حمزاتوف

 

إنْ كانَ هناكَ مئةٌ من الرجال

مأسورينَ بِحُبّكِ ودماؤهمْ هادِرةْ

ليسَ صعباً أن تلمحي بينهمْ

الجبليَّ الذي يُدعى رسول

 

إنْ كانَ هناكَ عشرةٌ من الرجالْ

بصدقٍ يعشقونَك

دونَ أن يُخفوا اللهيب

سيطلُّ مبتهجاً حزيناً بينهمْ

رسول حمزاتوف

 

إن لم يعدْ هناكَ سوى رجلٍ واحد

ما زالَ مجنوناً بِحُبِّك

دونَ وعدٍ منكِ عن قربِ الوصولْ

فاعلَمي أنه رجلُ الجبالْ

هلَّ من قِممٍ تغطَّت بالغيومْ

ذاكَ من يُدعى رسولْ

 

إنْ لم يعَدْ أحدٌ هناك يهواكِ كالملهوفْ

وأنتِ أكثرُ حزناً من غروبٍ غيهبيّ

فاعلمي أنَّ الحتوفْ

حلَّتْ وعندَ الهضبةِ البازلتْ

هناكَ في حضنِ الجبالْ

دفنوا رسول حمزاتوف.

العدد 1105 - 01/5/2024