دعماً للفساد!

أحمد ديركي:

من المفيد في كثير من الأحيان، أن يقدّم تعريف، ولو بشكل أولي، للمصطلح المراد مقاربته، ولو من دون الغوص في تفاصيله. ومن ضمن هذه المصطلحات الكثيرة والمستخدمة بشكل عشوائي مصطلح (فساد).

فكثيراً ما يستخدم هذا المصطلح، وكثيرة الدراسات حول أسبابه ونتائجه (المضرّة) إلى حدّ يصعب فيه حصر هذا المصطلح في خانة ما. إلا أن أبسط ما يمكن أن تعنيه كلمة (فساد) هو خلل في عمل النظام.

النظام يتألف من عدة عناصر، فالعنصر الواحد لا يشكل نظاماً مهما بلغ هذا العنصر من تطور، وتدخل هذه العناصر في علاقات متوافقة بعضها مع البعض الآخر تؤدي وظيفة تكاملية للنظام، ليقوم النظام بعمله على أكمل وجه ممكن. فعلى سبيل المثال هناك نظام الاحتراق الداخلي في محركات السيارات. وهو نظام معقد يتألف من عناصر كثيرة، وتعمل هذه العناصر في علاقاتها بعضها مع البعض الآخر، لينجز المحرك عملية الاحتراق الداخلي على أكمل وجه ممكن. ولا يعني ذلك أن هذا النظام مستقل بآلية عمله، فهو يدخل بعلاقة مع النظام الكهربائي في السيارة لينجز العمل. وبهذا يصبح تداخل العلاقات بين الأنظمة أكثر تعقيداً.

الفساد يحدث عند حدوث خلل ما في طبيعة العلاقة بين العناصر المكونة للنظام، فيعجز النظام عن القيام بعمله على أكمل وجه. والخلل قد يؤدي إلى تعطيل كامل في النظام، أو قد يؤدي إلى عدم قيام النظام بعمله بشكل جيد، وهذا يعتمد على مستوى الخلل الذي يصيب النظام.

لكن في بعض الأحيان، وبخاصة في حال تتبّع ما يحدث على أرض الواقع، يكون الفساد مقصوداً لإيقاف النظام عن عمله والاستعاضة عنه بنظام آخر، ولن نحكم هنا ما إذا كان البديل أفضل أم لا. لكن عملية الاستبدال (أو الاستعاضة) يجب أن توضح للجميع حتى لا نتهم (الفساد) بأنه المسؤول عن الخلل، ويصور الفساد وكأنه ذاك المخلوق الفضائي، من خارج النظام، أتى ليدمر النظام القائمين في ظله.

لتكون الأمور أوضح هناك مثلاً مسألة الأجور.

عندما يقونن النظام السياسي، وهو نظام العمل بأجر أقل من تكاليف العيش الشاملة لأمور عدة من تكاليف النقل، والإيجار، والطبابة، والتعليم، وثمن الملابس، والطعام و… هنا يحدث خلل في عمل النظام. فمثلاً إن كان مجموع الأجر الشهري للعامل لا يكفي سوى كلفة إيجار شقة لمدة شهر، فهذا يعني أن العامل، وهناك من يودّ استخدام كلمة موظف، سوف يقع في أزمة علاقات مع نظام عمله. فقد دفع العامل أجره الشهري إيجاراً للشقة، فمن أين يأكل ويتنقل ويلبس …؟! فيقع تحت عجز مالي في وقت ما من شيء مؤمّن له لا طبابة مجانية ولا طعام مجاني ولا… الحل يكون بإنشاء علاقات مغايرة في نظام عمله ومع نظام عمله. علاقات تؤمّن له دخلاً إضافياً لاستكمال مسيرة حياته ولو بحدها الأدنى. فتدخل (الرشوة) بكل أشكالها وصيغها على النظام وتصبح علاقة طبيعية في نظام العمل، ولا يحقّ للنظام السياسي المقونن للأجور أن يتهم العامل بـ(الفساد). بل العكس صحيح. يحقّ للعامل أن يتهم مقونن الأجر بأنه يعمل على توطيد الفساد في طبيعة العلاقات بين عناصر نظام العمل.

فعندما يتحدث أهل السياسة عن الفساد وكأنه ذاك المخلوق الفضائي الهابط من الفضاء على الأرض، وتحديداً على هذه البقعة الجغرافية لتدمير النظام، عليهم الانتباه أولاً إلى أنهم هم من يقونن الفساد في سبيل تحقيق غاية ما. فنرجو منهم توضيح الغاية لعلنا نستطيع الوقوف معهم ليحققوا هذه الغاية إن كانت تفيد الجميع! فندعم دعمهم للفساد لاختصار الطريق الانتقالية من نظام إلى آخر.

وبهذا يوفرون على أنفسهم وعلينا كثرة الخطابات السياسية ضد (الفساد)، وتكاليف محاكمة (الفاسدين)، ودفع المزيد من النفقات لدراسة آليات محاربة (الفساد).

العدد 1104 - 24/4/2024