اللاتي قتلتهن الحرب مرتين

حسين خليفة:

نعم، هناك تراجع كبير في الاهتمام بقضايا المرأة منذ اندلاع الحرب السورية أو الكارثة السورية بتعبير أدق.

السؤال عن أسباب هذا التراجع يقتضي مروراً سريعاً على وضع المرأة السورية في الأجزاء الأربعة التي نتجت عن التقسيم الحالي لسورية بين قوى أمر واقع تسيطر كل منها على ما استطاعت من الأرض السورية وفرضت قوانينها وعقائدها على مناطق سيطرتها بما فيها القوانين والتشريعات الخاصة بالمرأة، وهي منطقة سيطرة الحكومة والميليشيات التابعة لها أو المناصرة لها تشمل محافظات درعا والسويداء ودمشق وريفها وحمص وحماه واللاذقية وطرطوس وحلب. منطقة سيطرة قوات سورية الديمقراطية وجسمها السياسي (مسد) وتمتد من أقصى الجزيرة السورية في شمال شرقي البلاد حتى نهر الفرات شاملاً محافظة الحسكة وأجزاء واسعة من محافظتي الرقة ودير الزور. ثم محافظة إدلب التي تخضع في غالبيتها لجبهة النصرة (بدّلت اسمها إلى هيئة تحرير الشام)، وبعض مناطق الشمال السوري التي احتلتها تركيا والفصائل العميلة لها تحت مسمّى الحكومة المؤقتة.

فوضع المرأة يختلف بين قسم وآخر حسب طبيعة القوى المسيطرة والتي يغلب عليها الطابع الإسلاموي الظلامي المتزمّت في محافظة إدلب بسبب الأسس الفكرية للتنظيم الإرهابي جبهة النصرة، وهو فرع تنظيم القاعدة في سورية رغم إعلانها انفصالها عن التنظيم العالمي في محاولة لتفادي وضعها على قوائم الارهاب.

إذ تراجع وضع المرأة الى قرون سالفة بعد فرض النقاب عليها ومنعها من العمل والنشاط الاجتماعي أو السياسي ومنع الاختلاط، وتحويلها الى فرّاخة للأولاد وأداة لتحقيق الرغبات الجنسية للرجال وخصوصاً رجال التنظيم الذين يحفظون أكثر ما يحفظون من النصوص المقدسة الآيات التي تسمح بتعدّد الزوجات وتدعو للقسوة على المرأة وحصرها وقطع جميع سبل التطور واحتمالات الخروج من شرنقة الماضي.

وحتى بعض الحالات القليلة من انخراط بعض النساء في التنظيم الإرهابي وهيئاته المختلفة هو بغرض العمل الدعوي وفرض المزيد من القيود على بنات جنسهن لا الدفاع عنهن أو المطالبة بأية حقوق لهن.

لا يختلف الوضع كثيراً في الشمال المُسَيْطَر عليه من قبل الاحتلال التركي والميليشيات السورية العميلة له، وهي تنظيمات إسلاموية أيضاً وإن ادعت اختلافها عن جبهة النصرة أو اختلفت معها على مناطق النفوذ، فهي لا تبتعد عنها فكرياً بسبب الجذر الإخواني لمعظم هذه الفصائل، إضافة الى أن نظام أردوغان الحامي والراعي لهذه الفصائل معروف بنزوعه الإخواني، ويطبق في هذه المناطق ما لم يستطع تطبيقه في تركيا بسبب وجود قوى معارضة علمانية لها وزن مهم في تركيا والتبعية المطلقة لفصائل وميليشيات المسيطرة على الوضع من ائتلاف وحكومة مؤقتة وغيرها.

وبالتالي فإن وضع المرأة فيما يُسمّى بالمحرّر أيضاً سيئ، وهي مستبعدة عن الفعالية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وإن بدرجة أقل من مناطق سيطرة جبهة النصرة.

في مناطق سيطرة الحكومة، قامت السلطة بحلّ المنظمة النسائية الوحيدة المرخصة في سورية وهي الاتحاد النسائي مع بداية الحرب، وهي كانت منظمة مشلولة أساساً كونها ككل المنظمات والاتحادات والنقابات تتبع مباشرة للحكومة وللحزب الحاكم، وبالتالي هي جهة منفذة للتعليمات وتفتقد الاستقلالية وتمثيل جمهور النساء والمبادرة الى تحركات وفعاليات تطالب فيها بحقوق النساء السوريات وردِّ المظالم عنهن مثل قانون الاحوال الشخصية الذي ما زال يحتوي مواد تمييزية واضحة بخصوص منح الام السورية جنسيتها لأولادها، وقوانين الإرث والزواج والطلاق وزواج القاصرات وغيرها، بل إن الدستور ذاته يتضمن مواد تمييزية بحق المرأة مثل  المواد 472 و473 و474، إضافة إلى تعرّض النساء للتهميش والعنف والقتل والاستغلال الجنسي والجسدي، قد تفاقمت هذه المشاكل خلال الحرب وحتى الآن فقد تحولت الحرب إلى حرب على لقمة المواطن.

وحسب إحصاءات أممية فإن 65% من السيدات السوريات عرضة للتمييز القائم على النوع الاجتماعي بأشكال مختلفة.

أما في مناطق شرق الفرات حيث تسيطر قوات سورية الديمقراطية، فقد سنّت قوانين جريئة بعد إلغاء قانون الأحوال الشخصية المعمول به في مناطق سيطرة الحكومة، مثل منع تعدد الزوجات ومنع تزويج الصغيرات، والمساواة في الإرث، وإقرار عقوبات على أي ممارسة للعنف ضدَّ النساء وغيرها، لكن بقي الثقل الاجتماعي والديني قائماً ويفعل فعله في التغاضي عن كثير من الحالات التي تستدعي تدخل السلطات هناك، وذلك إرضاء لبعض رجال الدين أو زعماء العشائر والوجهاء المتمسكين بالقديم والرافضين للأفكار الجديدة عن المرأة.

لقد تفاقمت قضية زواج القاصرات خلال سني الحرب السورية، إذ تشير إحصاءات إلى أن نسبة الزواج المبكر بحدود 50% وهي نسبة مرعبة ومقلقة، وأهم أسباب هذه الزيادة هي ظروف الحرب من انعدام الأمن وحالات التهجير والنزوح القسري إلى أماكن جديدة دون توفر شروط إنسانية لسكن العائلات والضيق المادي ممّا يدفع لإقدام العائلة على تزويج الطفلات للتخلّص من أعبائهن.

وانتشرت هذه الظاهرة بشكل أكبر وأوضح في مناطق سيطرة الاحتلال التركي والفصائل العميلة له ومحافظة إدلب حيث تسيطر هيئة تحرير الشام الأصولية المتطرفة، وذلك ظنّاً من الأهالي أنهم بذلك يحمون بناتهم من التعرض للعنف والاستغلال الجنسي والخطف والتحرش من قبل عناصر التنظيمات الإسلامية المتطرفة، إضافة إلى سيادة العادات والتقاليد البالية التي تُكرّس عبودية المرأة وتبعيتها للرجل وتشجّع على جرائم قتل النساء بحجّة غسل العار، وتغاضي القانون عن العنف الأسري والمجتمعي والتحرش.

أما بخصوص مساهمة المرأة في الحراك المجتمعي والسياسي بعد عام 2011 فقد تميّزت الشهور الأولى من الاحتجاجات الشعبية بحضور فاعل ومؤثر للنساء، لكنه ما لبث أن انحسر إلى أدنى الحدود بعد اندلاع الحرب وسيادة لغة العنف والسلاح والتدمير. ذلك أن النساء لم يأخذن حقهن حتى في تشكيل اللجنة الدستورية التي كانت مكلفة بوضع دستور للبلاد، فكان للنساء 13 مقعداً من أصل 45 مقعد (15 سلطة، 15 معارضة، 15 مجتمع مدني)، واللافت أن نسبة النساء في وفد المعارضة التي يسيطر الإسلاميون عليها هو الأقل (اثنتان فقط من 15)، بينما في وفد النظام 4 نساء من أصل 15 عضواً، ووفد المجتمع المدني 7.

إن تراجع الاهتمام بقضية المرأة جعلها تواجه قدرها وحيدة، فاضطرت مراراً إلى الاعتماد على مظهرها وأنوثتها لإرضاء الرجل مقابل أن يساعدها على أن تستمر في الحياة، واضطرت أحياناً إلى القبول بزيجات غير منطقية بسبب فارق السن مثلاً، فقط بسبب الحالة المادية القوية للرجل وللتمتّع بأمواله مقابل أن يتمتّع هو بشبابها، وهذا بوضوح أحد أشكال الدعارة المُقنّعة.

إن أي تسوية سياسية للأزمة السورية لا بدَّ أن تتضمن حلولاً لقضايا المرأة التي زادت وتفاقمت خلال سنوات الحرب، وهذا لن يتحقق إلاَّ بوجود نخب واعية مثقفة متفهمة لمنطق العصر، مع تمثيل عادل للنساء الناشطات المؤمنات بمساواة المرأة مع الرجل، لا تلك النساء اللاتي تدافعن عن عبودية المرأة بحجة الدين والعادات.

العدد 1104 - 24/4/2024