الجوهر المفقود

د. عبادة دعدوش:

لعبت المرأة دوراً محورياً في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة، وأثبتت من خلال هذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، فحضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل ومساندتها له دليل على كونها عنصراً أساسيا ًفي إحداث  عملية التغيير في المجتمع.

وهنا لا ننفي أي دور للرجل، لكن المرأة التي تهتم باستقلالية مادية وبتطورها الثقافي والفكري تستطيع أن تخلق لنفسها مكانة مُميّزة تجعل دورها بنّاءً في الأسرة أولا ًوالمجتمع ثانياً، فهي عنصر نهضة الأمم وازدهار المجتمعات، ورغم كل التقاليد القديمة التي حرمت المرأة من حقوقها واعتمدت ظاهرة الزواج المبكر لمنعها من إكمال دراستها، والميل للتحكّم بالأنثى كضلع قاصر وإنسان ضعيف، فقد استطاعت المرأة التغلّب ولو جزئياً على ذلك مع مرور السنوات وتطور المجتمعات وظهور قوانين تنص على التمسّك بحقوق المرأة ومحاربة العنف ضدّها، والعمل على تثقيفها وإشراكها في البرامج السياسية والمنظمات العالمية، وحيازتها على أدوار مهمة في مجالات الطب والاقتصاد وغيرها.

لكن، ما الذي حدث في ظلّ التطور والتغيير العبثي الذي نشهده؟ وأين هو دور المرأة؟ وأين تلك القضايا التي حاربت لأجلها؟ بمعنى آخر، هل حافظت اليوم المرأة على دورها الذي طالما تمسّكت به بحكمة وإصرار في ظلِّ ظهور الأقنعة المزيفة عن جمال المرأة وتدني المستوى المعيشي؟!

لا شكَّ أنّ أي تطور يشهده المجتمع يحمل حدّين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي، واختيار البعض لجانب سلبي يطمس شخصيتهم الحقيقية وكل ما هو ضروري للتقدم والنجاح، ويبعدهم عن حقوقهم وواجباتهم، ويجعلهم نسخة مُصغّرة عن كل ما هو مصطنع وفارغ.

وهذا ما يذكّرني بمقولة شكسبير عندما وصف عقلية المرأة قائلاً: (المرأة في رأسها فكرتان، أنها تريد كل شيء، وألاَّ تعمل أي شيء).

فرغم التطور الكبير الذي شهدناه كتنوع الثقافات والتطور العلمي، فقد أُهملت قضايا المرأة في الآونة الأخيرة، وباتت أغلبية التطلّعات تتجه نحو نمط تقليدي قديم في نظرة المرأة إلى ذاتها أولا ً ونظرة المجتمع إليها. ومع تزايد الوضع الاقتصادي سوءاً، والقيود الداخلية المجتمعية والاقتصادية، والهجرة المتزايدة، كل هذا جعل أغلب الفتيات اليوم يتجهن نحو إبراز الأنوثة بطريقة خاطئة مُبتعدات بذلك عن الجمال الحقيقي، فقد بات الاهتمام بالجسد والمال أهم من الاهتمام بالعقل، الأمر الذي أعاد ظاهرة الزواج المبكر هرباً من فكرة إكمال التعليم واللجوء للتفكير والحياة القائمة على الاعتماد على الآخرين في أي خطوة وكأنّ الأنثى مجرّد سلعة.

صحيح أن الظروف القاسية السائدة قد شكّلت تهديداً وخطراً كبير على تمسكنا وثباتنا على ما أحرزناه من تقدم بشأن المرأة، وجعلنا في سباق الموضة والكذب واصطياد الأمير الذي سيحقق حلم الفتاة. لقد أصبحت السطحية في التفكير شعاراً، والعمل والعلم وإثبات الذات والقناعة هي الجوهر المفقود، متناسين أنّ خير الطرق هو العلم والعمل، وأن المرأة قادرة على تغيير الكون بأكمله عندما تكون عظيمة، تملك الثقة بالنفس. الأنوثة المميزة لأجلها وليس لإبهار من حولها، وعندما تمتلك الحزم واللباقة والإرادة لتصنع المستحيل وتُغني تفكيرها بالمعلومات التي تجعلها قيادية وذات مكانة تليق بوعيها.

إن من أهم أسباب تراجع الاهتمام بقضايا المرأة:

  • فقدان المرأة ثقتها بنفسها وبما تملكه.
  • تردي الأوضاع المعيشية التي جعلت المال هو كل شيء، فتحوّل مجهود المرأة إمّا لعمليات التجميل بهدف بيع نفسها، وإمّا اللجوء للزواج المبكر اعتماداً على رجل غني ينتشلها من حالتها.
  • إدمان مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة تلك التي تشعر المرأة بأن جمالها غير كافٍ، وأن هناك من هي أجمل منها، فتعتمد التقليد الأعمى في شكلها.
  • فقدان الشغف والعزيمة بأنّها قادرة أن تكمل، وباستطاعتها تغيير مسارها بالتعلّم والتدريب والعمل على إثبات مدى جدارتها في قيادة المركب إلى ميناء السلام والكفاءة وخلق المهارات الجديدة.

لذلك صدق شكسبير بمقولته، فإن أرادت المرأة أن تفعل شيئاً فلا أحد يوقفها، لذلك تحتاج إلى قوة تعيدها لمسارها الصحيح والمحاربة لنيل حقوق عادلة مقارنة مع ما تقدمه من واجبات تنهض بها وبالمجتمع.

يكفي أن تعيد المرأة النظر بجوهرها الحقيقي حتى تعود إلى مكانتها.

العدد 1105 - 01/5/2024