خطواتنا تتجه للخلف

وعد حسون نصر:

بدل أن نسير للأمام، بتنا تلقائياً نعكس اتجاهنا للخلف، نعود لزمن كُنّا قد استهلكنا سنوات وسنوات حتى تخطّينا عاداته البالية، لكن واحسرتاه! فقد عدنا إليها بغضون سنتين، وأصبحت قضايا كثيرة مركونة لا تثير أي جدل، والسبب عزوفنا عنها للبحث عن قوتنا اليومي.

التعنيف الأسري أضحى الحديث عنه شيئاً مُستهجناً للبعض، وتُردّد على شفاههم كلمات من مثل نحن لا نجد طعامنا ولا نقوداً لدفع ما يترتّب علينا من نفقات، فكيف لنا أن نتدخل بشؤون أسرة قام أحد الوالدين فيها بضرب أطفاله وتعنيفهم، أو أجبر ابنته على الزواج ممّن لا تحب؟! وباللهجة الدراجة يرد الجميع (الله يعين الناس، من الفقر والضيق عم تفش خلقها بحالها وأولادها)! لذلك لم تعد قضايا الشأن الاجتماعي تثير الاهتمام لدى كثيرين، فالوضع الاقتصادي والبطالة والتضخّم باتت الحديث الشاغل للجميع، فعلى سبيل المثال قضايا المرأة وتعنيفها أضحت أمراً عادياً، حتى هي ذاتها لم تعد تكترث لهذا الأمر، والدليل أن الحديث عن الزواج المبكر أصبح أمراً طبيعياً، بذريعة ما هي المشكلة إذا كان الرجل ميسور الحال ولديه منزل وعمل، ما الضرر من أن تتزوجه فتاة صغيرة وإن كان يكبرها ببضع سنوات؟ العمر مجرد رقم والحب يأتي بعد الزواج وهي أساساً سوف تنشغل عنه لاحقاً بالأطفال، الأكثر أهمية وجود حياة كريمة ومنزل ومردود مادي جيد، لذلك حتى الفتيات أنفسهن بتن يبحثن عن رجل قادر على إسعادهن بالمال، وليس لديهن أي أهمية للعمر أو الشكل. الكثيرات تركن المدرسة واتجهن للعمل من أجل المال لتلبية حاجاتهن الشخصية، الكثيرات سافرن للعمل خارج البلد مثل الرجال بعد أن كانت فكرة السفر للفتاة من أجل العمل مرفوضة لدى الكثير من الأسر. باتت المرأة تُهان في الشارع وتُشتم على مسمع الجميع، ومع الأسف والحزن الشديد لا أحد يتدخل خشية أن يُزجَّ بسبب تدخله في قضية لا شأن له بها، حتى في وسائل النقل باتت المرأة وإن كانت مسنة أو حاملاً أو تحمل طفلها على ذراعيها باتت تقف وسط الحافلة أو تجلس على جنب الحافلة ولا أحد يكترث لها وكأن المنظر بات مألوفاً للجميع، وكذلك الاتجار بالنساء بات أمراً شبه عادي تحت مبرر الحاجة، أو بعبارة باتت شائعة وبشعة )هي من أرادت.. هي تحب هذا الشيء)، وبعض الفتيات يُبررن سلوكهن المشين بعبارة (أنا لستُ مضطرة أن أموت جوعاً إذا كنت أمتلك ما يجعلني أعيش مرفهة)!

هنا، تكون المرأة هي عدوة ذاتها، وهي من قلّل من شأنها لا الآخر، الوضع الاقتصادي التعيس شغلنا عن ذواتنا، لكن ليس من الضروري أن يصرفنا عن تقدير هذه الذات، عن جعلنا نحترم نضال أعوام وأعوام لنكون إلى جانب الرجل سواسية لا خلفه ولا أمامه، إنما جنباً لجنب تحت مسمّى إنسان كامل. تعليم المرأة ومنع زواج القاصرات، منع تعنيف المرأة، فالتعنيف الجنسي وإن كان من يمارس هذا العنف عليها هو الزوج، يجب ألّا نبرر عدم الاكتراث لهذه القضايا الشائكة والمُهينة للمرأة بعبارة إن العوز المادي فرض هذا الشيء.

علينا أن نتذكّر أننا قاومنا كثيراً من أجل حقوقنا، من أجل تعليمنا، ومن أجل أن نكون نداً للرجل في القيادة وفي التحكيم، والقضاء والمجالس العلمية. قاومنا لنكون مدارس لأولادنا، مربيات فاضلات، فيجب ألّا نجعل من العوز مبرراً لتحجيمنا من قبل أنفسنا أولاً. لذلك علينا أن نحارب الفقر بالعلم وبالسعي لمناصب تليق بنا كأمهات، بتقدير مكانتنا الاجتماعية، فنحن لسنا مجرّد أداة متعة لأي رجل وإن كان الزوج. تعزيز فكرة (العلم سلاحك) لكل فتاة تريد أن تترك الدراسة وتتزوج مقابل المال، ولكل قاصر تريد الهروب من الواقع للحياة الزوجية بسبب ضغوطات الحياة.

فلننهض جميعنا ونعيد مكانتنا التي حاربنا من أجلها، ولنكن نحن القوّامات على ذواتنا، فنحن اللواتي أنجبنا من أرحامنا الرجال، ونحن تلك الأرض التي سترفد ثمارها، فيجب أن تكون أرحامنا صالحة لتعطي طيب الثمار، ولتبقَ قضية المرأة أهم القضايا لأنها المربية والأم، وهي التي وهبت وستهب الحياة.

العدد 1105 - 01/5/2024