الصح في مجتمع غلط هو غلط والغلط في المجتمع الصح غلط

وعد حسون نصر:

وبناءً على العنوان، يبدو لنا أنا الغلط كفته راجحة أكثر من الصواب!

لكن، إلى متى سوف نوهم أنفسنا أن أحكام المجتمع جميعها صائبة؟ وهل من المعقول أن يكون المجتمع دائماً على صواب؟ ألا توجد خروقات وأحكام لا تناسب فرد أو بيئة بعينها؟ كم من عادات باتت بالية لا تناسب فئة معينة من الناس، ولا الزمن الحاضر، وكم من أحكام سلبية وقاسية توجد في هذا المجتمع البشري توقع الظلم على بعض الأشخاص؟

من الطبيعي أن توجد هذه الخروقات وهذه الأحكام، ومن الطبيعي جداً أن يوجد أشخاص داخل هذا المجتمع معترضون عليها وعلى الكثير من العادات، ومختلفون في التفكير عن البقية، رافضين لسياسة القطيع، فعلى سبيل المثال هناك أشخاص لا يمكن أن يُنمّقوا الكلام أو يُجمّلوا الأشياء الخاطئة، ولا يُصيغوا الأمور على مزاجية الآخر إذا كانت لا تناسبهم شخصياً، وبالمقابل هم لا يعتدون على أحد ويرفضون التدخل بشؤون الآخر، فهل يمكن وصفهم بأنهم مخطئون غير مرنين، ولا يمكن التعامل معهم؟ على العكس، هؤلاء الأشخاص اختاروا حياتهم الخاصة، اختاروا ما يناسب قناعتهم لأنهم لا يعرفون الزيف، مثلما أنهم لا يعتدون على الآخرين ولا يتدخلون في خصوصياتهم، ومن وجهة نظري التعامل معهم مريح أكثر من المنافق. مثل هؤلاء الأشخاص لا يعرف واحدهم المجاملة، وبالتالي قد يقدم لك نصيحة وإن كانت قاسية ربما تجعلك تُعيد ترتيب حياتك وتُعيد النظر بالكثير من الأمور التي كنت تظن أنها مناسبة، وتحاول تخطيها شيئاً فشيئاً لتبدو أفضل.

كذلك أصحاب كلمة الحق وإن كانت هذه الكلمة جارحة، بضمن ذلك الرافضون لتشويه سمعة الآخرين حتى لو على حساب أهل بيتهم، ورغم انزعاج الأهل من موقفهم وتمسّكهم بهذا الموقف لصالح الطرف الآخر، هنا لا يمكن اعتبار هؤلاء وموقفهم هذا شيئاً مسيئاً للأهل، لأنه عين الصواب، فالغلط أن تظلم أشخاصاً لتقدم براءة زائفة لأهل بيتك. الفرد المتصالح مع ذاته المقتنع بأفكاره، البعيد كل البعد عن تجميل السلبية هو شخص ربما يكون متعباً للبعض من حيث التعامل والالتزام بطريقة الحوار وحتى المزاح، لكنه واضح يرفض زيف الأقنعة والسائد. وبالتالي جمعينا لا يملك الكمال ولا يمكن أن يكون دائماً على صواب، فلا ضرر أحياناً إن جمّلنا موقفاً صغيراً لشخص ما حتى لا نجرحه إذا كان الموقف أو السلوك طبيعياً ويمكن أن يمرَّ بشكل طبيعي، ونبرره له من باب محبتنا كي لا نخسره ونخلق بيننا انتقادات ونزاعات. جميعنا غير مناسب للآخر وإن كان بنسب غير متقاربة، فقد يروق لنا سلوك من شخص ما لا يروق لغيرنا، هذا لا يعني أننا غلط أو الآخر غلط، إنما السلوك بحدِّ ذاته قد لا يتناسب معنا نحن شخصياً، كذلك قد لا يروق للبعض الوضوح والجديّة في التعامل ووضع حدود في العلاقات، وإن كانت بين الأهل. لكن من وجهة نظري هذه الحدود وهذه الجديّة مريحة أحياناً لأنها أوضحت لنا طريقة التعامل مع هؤلاء الاشخاص، ربما هم لا يحبون المزاح، لا يحبون الكلام السطحي أو الثرثرة الفارغة، هنا علينا التعامل معهم وفق طبيعتهم لا أن نقول عنهم إنهم مخطئون وليس لديهم مرونة مع الآخرين.. هي طبيعة أشخاص علينا احترامها فقط.

أنا عن نفسي، لا يمكن أن أستمر في جلسة تُجمَّل بها الكلمات، وتُبرّر بها السلوكيات المرفوضة، لا يمكن أن أنافق بمشاعري، أن أزيّف إحساسي، وبالتالي إن خسرت الكثيرين مقابل راحتي، فمن مبدئي الشخصي (أنا الكسبانة). بشع جداً تزييف الحقائق، فما بالكم بزيف المشاعر؟ فمن يستطيع تزييف إحساسه ومشاعره لا يمكن أن يكون صادقاً حتى مع ذاته، يمكن أن يكذب عليها لكسب الآخر، وبالتالي هو الخاسر الوحيد لنفسه أولاً وللآخرين شيئاً فشيئاً، وبقناعتي الشخصية، الصح صح وإن جزم الجميع على أنه خطأ، والخطأ خطأ وإن جزم الجميع بصحته.

العدد 1105 - 01/5/2024