قصة طويلة جداً.. كيف صار السيد س مديراً؟!

حسين خليفة:

تنبيه مُكرّر ومُمِل لكن لا بدَّ منه: الشخصيات المذكورة هي محض خيال، وأي تشابه بينها أو بين إحداها وشخصيات من الواقع هو محض مصادفة، والله، بكسر الهاء!

كان سعيد مهندساً عادياً في مؤسسة حكومية كبيرة في مملكة السعادة الوراثية طبعاً ككل الممالك، ومعلومكم أن المهندس العادي هو من لا تربطه بمواقع القرار في المؤسسة صلة قرابة أو شراكة أو أي شيء يجعله من المحيطين بصاحب القرار اللائذين بظلّه المادحين أخطاءه وارتكاباته.

كان من الذين لا يريدون من عملهم الحكومي سوى رواتبهم في بداية الشهر الميلادي، فلا مهمات ولا أذونات سفر ولا مكافآت ولا سيارات ولا و لا.. الخ، وإلى كل هذا فقد كان مهندساً فاشلاً لم يبذل أي جهد في تطوير نفسه أو اكتساب أية خبرة من عمله.

أما مديره العام فكان من المديرين الناجحين بمقاييس ذاك الزمان، فمفتاح النجاح يكمن في إرضاء الجهات الوصائية التي تملك مفاتيح المناصب وموازين الجنة والنار مهما كان الثمن، وبعدها لا يهم ما حصل للمؤسسة التي يديرها، وبالتالي لمصالح الناس وأحوالهم من إدارة هذا البلهموطي للمؤسسة.

الدكتور علي، شقيق السيد سعيد، طبيب جراح ناجح ومشهور، متخرج في جامعات غربية ويعود إلى المملكة كل صيف ليتبرّع بعمليات جراحية صعبة ونادرة للمرضى من بلده، كما تستدعيه المشافي الراقية التي يُعالج فيها عليّة القوم ومحدثي النعمة لمعالجة جروحهم وقروحهم.

وكان من محاسن الصدف أن يتعرض البريغادير (أبو يعرب) لأزمة قلبية من كثرة الدهون والشحوم المترسبة في دمه وعقله، ويدخل المشفى الذي يوجد فيه الدكتور علي، والبريغادير هو من القلائل الذين يملكون الحل والربط في البلد من خلف الكواليس، فهو على رأس هرم من أهرامات المملكة المُخصّصة للتنصت على الناس وإحصاء أنفاسهم وحتى عدد لقاءاتهم مع زوجاتهم وعشيقاتهم، ثم ترفع إلى الباب العالي بعد أن يذيلها بتوقيعه، وهكذا فإن إرضاءه غاية تدرك بصعوبة وبكلفة عالية، وعبره يمرُّ طريق الصعود إلى مناصب أعلى بالنسبة للمدير البلهموطي.

الحاصل أن الطبيب الذي أجرى عملية القلب للبريغادير الطبيب الناجح هو شقيق بطل قصتنا الطويلة جداً (طولها يمتد لعقود وربما قرون)، وأُجريت بنجاح والحمد لله، وفشلت المؤامرة الاستعمارية في النيل من قلب أبي يعرب، وقبل خروجه من المشفى طلب المعلم من مرافقيه جلب الطبيب إليه، فشكره على حسن عمله، ووعده أن يلبي أي طلب يطلبه، فما كان من الطبيب الناجح إلاّ أن تذكّر أخاه الفاشل والضائع في وظيفته الحكومية الرتيبة، فأعطى اسمه ومكان عمله لأبي يعرب طالباً منه أن يضعه في منصب ما.

ولحسن الحظ مرة أخرى وأخرى كان أحد المديرين في المؤسسة التي يعمل فيها سعيد يغادر في تلك الأثناء موقعه إلى آخر، وعلى الهرم نفسه أن يقترح على القيادة مهندساً كفؤاً ليحلَّ محلَّ المدير الراحل، فكان بعد أيام القرار المذيّل بتوقيع المدير العام ورائحة أبي يعرب بتعيين المهندس سعيد السهيان مديراً فرعياً في المؤسسة وفي بهو إعلاناتها مع صورة إلى كل الجهات الوصائية المعنية وغير المعنية، ولأن من أوصى به هو من هو في البلد، فقد ظلّ السهيان يترقّى من منصب إلى أعلى حتى بعد أن تقاعد أبو يعرب متفرغاً لمزارعه وشركاته التي أقيمت باسم أولاده، وكل ذلك بقوة العطالة القوية لتوصية المذكور، ولا يزال الصعود الـسهياني مستمراً، لكن مرؤوسي المهندس سعيد، المدير حالياً، لا حظوا أنه  يزداد مع مرور الزمن جهلاً وغباءً في حين يتضخّم كل من رأسه وكرشه ومؤخرته بشكل لافت، فيما تزداد المؤسسة التي يديرها شحوباً وترقّق عظام وفقر دم وحمّى مالطية وغير ذلك!!!

وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، سيظلُّ الأستاذ سعيد ينتقل من منصب إلى آخر جارفاً في طريقه كل ما استطاع من بقية خير وخيّرين في الإقطاعات التي يستلمها، والقصة لن تنتهي حتى مع النهاية الجسدية للأستاذ سعيد، فالبريغادير الجديد الذي سيُحدّد خليفته في المنصب بعد عمر طويل هو نسخة طبق الأصل عن أبي يعرب، و طريق العبور إلى أي موقع مسؤولية لا يزال يمر عبر هذا الـ(أبو يعرب) ونظرائه.

أليست قصة طويلة جداً؟!

العدد 1104 - 24/4/2024