من قال إن في دموع الرجل ضعفاً؟!

إيمان أحمد ونوس:

كحبات لؤلؤٍ تناثرت من علياء مزنةٍ شمّاء.. كبراعم ياسمينة نديةٍ تفتّقت وترقرقت تلك الدموع من عينين رائعتين تسكنان وجهاً أسمرَ تعبق قسماته بطيبة الريف وقوة السنديان، انسابت في لحظة صدقٍ وتجلٍّ مع الذات والروح، لتبوح بأسمى المشاعر وأنبل العواطف، ولتعبّر عن شخصية إنسانية خالصة تحمل بين ثناياها الوفاء والطيبة والعطاء اللامتناهي للإنسانية والحياة.

من قال إن البكاء ضعفٌ، خصوصاً للرجل!؟

إنه قمّة النقاء والإخلاص لمشاعر تختلج في النفس، وعواطف إنسانية تتأجج في الروح لحظة مشاركة وجدانية، وملامسة حالات إنسانية حسّاسة.

إنه القوة بذاتها، لأنه الصدق مع الذات. وهل أقوى من الصدق مع الذات والآخر؟

بعض الرجال رأيتهم في تلك اللحظات الصادقة، هم من أقوى وأنبل الرجال من حيث تعاملهم الإنساني- الاجتماعي والمهني. لم تُضعفهم دموعهم التي انبلجت كالصبح من المآقي لحظة معايشتهم أيّاً من الحالات الوجدانية التي استدعت بكاءهم.

فالدموع والبكاء حالة صفاء روحي، يتناغم بحبات لؤلؤ بهية تتراقص على الوجنتين، فتغدوان وسام إنسانية صافية وصادقة.

من ناحية أخرى، البكاء حالة طبيعية وفيزيولوجية ضرورية للعين من جهة، وللنفس والروح من جهةٍ أخرى.

من هنا، فالامتناع عن البكاء، وخصوصاً الامتناع القهري الذي غالباً ما نراه عند الرجال، ينعكس بتفريغ هذه المشاعر والشحنات إمّا داخلياً فيحدث الاكتئاب والتوتّر والحزن الشديد، أو خارجياً كالعصبية في التعامل مع الآخرين، أو العدوانية خصوصاً تجاه بعض مثيرات البكاء، وبالتالي نكون أمام أُناسٍ مقهورين قساة تجاه أنفسهم أولاً، وتجاه الآخرين ومآسيهم، فيظهرون مُتبلّدي المشاعر والتعاطف الإنساني والاجتماعي، وهذه صفات غير لائقة بالإنسان الذي هو بالفطرة كائن اجتماعي.

لذا علينا أن نستجيب لتلك الحالة دون إحساس بضعف أو نقص عندما نعيش لحظة مشاعر وجدانية، لأنها اللحظة المفعمة بالصدق والإحساس المرهف.

ومثلما نفتخر بالابتسام والفرح _ وهذا إيجابي _ علينا أيضاً ألاَ نخجل من دموعنا عندما تستدعيها بعض اللحظات الإنسانية، والمشاعر الوجدانية.

والشخصية لا تتوازن إلاَ بجناحين حرَيِن طليقين في تفاعلها وتعاملها مع الذات والآخر والحياة.

العدد 1104 - 24/4/2024