عيد الجيش السوري

صفاء طعمة:

بعد نجاحه في الشهادة الثانوية، قرّر أخي الأكبر أن يتطوع في القوى الجوية التابعة للجيش السوري، وتدرب على مدى عدة سنوات وأصبح طياراً مقاتلاً خدم بعد في عدة مطارات حربية وعلى الجبهة المباشرة لأكثر من ثمانية عشر عاماً.

أذكر أنني في مطلع التسعينيات رافقت عائلتي إلى حفل تخرجه في الكلية الجوية في مطار كويرس بالقرب من حلب.

لا تزال في ذاكرتي صور العرض العسكري وأصوات الشبّان الحماسية الذين أقسموا بقلوبهم وأصواتهم الفتية على الولاء والشرف والإخلاص للوطن الحبيب.

حفرت كلمات القسم تلك عميقاً في ذهن تلك الطفلة التي كنتها، وتأثرت بوقعها معنىً وإيقاعاً، كما أذكر أنني بقيت أرددها في سري بعد ذلك كما أردد الصلاة اليومية لوقت طويل، لأنني اعتبرت نفسي معنية بها رغم صغر سني حينذاك، وأضفت أمنية الالتحاق بالجيش في الكلية الحربية للبنات، لأنها كانت الخيار المتاح، إلى قائمة أحلامي وأمنياتي الطويلة.

أما الآن، وبعد أن مضت سنوات العمر الطويلة التي رسمت خطوط مسيرتي المهنية، من ضمنها طبعاً سنوات الحرب القاتمة، ودون ذكر التغيير الذي طال المفاهيم والأماني والأحلام، وما لحق بالشرف العسكري جوراً من شوائب طالت أفراده بسبب الظروف الحرب والقتال؛ إلا أن تلك الأمنية الدفينة لا تزال تقفز الى ذهني كلما قرأت عبارة: (كل مواطن خفير) التي عنون بها الأديب الكبير سعيد تقي الدين إحدى مقالاته، في إشارة إلى الدور الأساسي الذي يلعبه كل مواطن في بناء الوطن وحمايته واضعاً نصب عينيه الولاء له أولاً واخيراً.

ولأنني أعرف أن الحديث عن الولاء للوطن وتوصيفه موضوع ثابت لا لبس فيه، ولا يمكن العبث به أو تغيير مفرداته ومصطلحاته، والذي يتجلى في أبهى صوره في المؤسسة العسكرية؛ ولأنني أعتبر نفسي مواطنة أولاً وأمّاً وابنة ومقاتلة على طريقتي، مثل بقية عامة الشعب المقاوم على كل الجبهات المحيطة في الداخل والخارج..

أقف إلى جانب المقاتلين والعسكريين، في كل المواقع، في كل نقطة من نقاط بلادي الجريحة، ممن حملوا الولاء في قلوبهم رغم التعب والجراح والخراب، ولم يتأثروا رغم إجحاف حقوقهم أغلب الأحيان، ووقوف من انتهت خدمته منهم أمام مستقبل مجهول مرهق..

أردّد عالياً بصوتي قسَمَهم الحبيب الذي أريد أن أعلّمه لأولادي وتتعلمه الاجيال القادمة لتحديد الولاء أولاً وأخيراً للوطن الحبيب سورية، لعلّهم يعيدون لها ولنا ما نتمنى من قيم وكرامة تربّينا ونربّيهم على نهجها قدر ما نستطيع.

العدد 1105 - 01/5/2024