في اليوم العالمي للشباب.. عيونٌ ترحل كل يوم

حسين خليفة:

في يوم واحد من هذا الشهر (آب 2023)، وبعد أكثر من خمس سنوات على انتهاء الحرب نظرياً على الأقل، فهي تستمر بأشكال جديدة أكثر شناعة وإيلاماً، سجلت الإحصاءات 12000 مغادر لمطار دمشق وحده، وتناقلته وسائل التواصل.

وتؤكد الوقائع والصور المنقولة من المطار أن النسبة العظمى من هؤلاء المغادرين هي من الشبّان والشابات، وسفرهم على الأغلب هو هجرة نهائية إلى أي بلد يستقبلهم ويعيشون فيه حياة تليق بالبشر، وإن تطلب ذلك أن يعملوا ليل نهار، وفي أشقِّ الأعمال.

فيما يتضاعف هذا الرقم مرات عدة على المعابر التي تفصلنا عن الدول المجاورة (لبنان، الأردن، تركيا).

الكثير من شبّاننا وشاباتنا يخوضون البحار والصحارى والغابات، بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية عام 2011  وتعرضت لما تعرضت له، ثم حوّلوها إلى حرب عمياء، وذلك للوصول إلى بلدان اللجوء في أوربا للغرض نفسه: العيش بكرامة ومحاولة مساعدة عائلاتهم مادياً، أو لم شملهم لاحقاً بعد أن صارت الحياة في سورية جحيماً لا يطاق من جهة المعيشة والفوضى والفساد المستشري، والدخول الصفرية، فيما تكاليف الحياة ترتفع كل يوم، في ظلِّ تجاهل كامل للسلطة برموزها ودرجاتها كافة لهذا الواقع، والتصرف كأن الأمور طبيعية والبلد ليست في حال مجاعة.

هؤلاء الشباب الهاربون من الجحيم يشاهدون، مع بقية السوريين، مظاهر البذخ المبالغ فيها والمستفزّة والجارحة يتباهى بها الذين يبيعون الناس دروس الوطنية والصمود، فيما (يتبرطعون) هم وأولادهم بأموال الفساد والنهب والتعفيش والخوّات التي يفرضونها على الناس جهاراً، ويتباهون بسياراتهم الأحدث من سيارات الملوك والأمراء وسهراتهم وأماكن إقامتهم، وفي الوقت نفسه يرزح أكثر من تسعين بالمئة من السوريين تحت خط الجوع (كيف يعيش الإنسان بـ8 دولارات في الشهر) ويكادون لا يجدون لقمة يستطيعون بها الاستمرار بالعيش على أمل أن يكون الخلاص قريباً، ويشهدوه هم أو أولادهم من بعدهم،  ليكون ذلك بداية الطريق الشاق والطويل نحو بناء وطن معافى قائم على احترام الإنسان، احترام كرامته وحقوقه في العيش بحرية وكرامة وأمان.

ما الذي يربط الشباب بوطنهم؟!

إنه الأمل الذي يمنحه إياهم هذا الوطن ببناء حياة سعيدة مع العائلة والأهل ومن يحبّون، الأمل والفرص والتسهيلات لجذب هذه الثروة الأهم من كل ما عداها.

ما الذي تركوه في البلد أو تركوه من البلد؟

لقد تحوّل بفعل الخراب والنهب والمتاجرة بكل ما فيه ومن فيه إلى هيكل عظمي متداعٍ.

الآن حيث لا أمل، لا فرص، فالتعليم في أشدِّ حالات سوئه وانحداره، غياب القانون، غياب الحريات، الجوع الذي يعضُّ على أحلام الشباب ويدمّر أرواحهم، لا مفرَّ أمام هذا الجيل سوى الهرب إلى خارج هذا المستنقع، أو الغرق فيه بما يتوفر من فرص للغرق أو الموت قتلاً أو اعتقالاً أو خطفاً أو قهراً (زادت نسبة الجلطات القلبية للشباب تحديداً أضعافاً مضاعفة) أو الموت ببطء بالمخدرات والكبتاغون.

دموع الأمهات والآباء وهم يودّعون فلذات أكبادهم الذين يقفون في بداية طريق الحياة لا تعني شيئاً لأصحاب القرار وباعة الوهم والشعارات في هذا البلد.

نزيف هذه الثروة الأهم والأغلى من بلد يُفترض أنه مقبل على إعادة إعمار الحجر والبشر لا يعني لهم شيئاً؟!!

ما يعنيهم الآن هو جباية أكثر كمٍّ ممكن من الأموال من هؤلاء وذويهم عبر زيادة تكاليف وثائق السفر إضافة إلى ما يُدفع من رشاوى وخوّات لتيسير أمور سفر هؤلاء.

الآن لا نستطيع سوى أن نقول لشبابنا وشاباتنا المغادرين إلى أي مكان يستطيعون الوصول إليه بعد دفع مبالغ طائلة من أجل جواز السفر، نعم، من أجل جواز السفر فحسب، وأخرى لتكاليف السفر والفيزا أو للمهربين: ليكن الرب معكم، وليمدّكم بالصبر والهمة على تأمين حياة أفضل لكم ولعائلاتكم، لكن كونوا على ثقة بأن هذه الفترة المظلمة من تاريخ سورية هي فترة عابرة على كل قسوتها وصعوباتها، لأن لكلّ شيء نهاية، فقط بسبب تلك البديهية (وليس لوجود أي مقومات حقيقية الآن لأي حل سياسي، إذ يسدُّ المستفيدون من الخراب كل آفاق الخروج من الكارثة في المدى المنظور) لا بدَّ أن ينجلي ليل هذه البلاد، وحينئذٍ ستكونون مُخيرين بين أوطانكم الجديدة التي آوتكم وأمّنت لكم فرص الحياة والعمل بكرامة، أو أن تعودوا إلى سورية الجديدة التي ستكون بحاجة إلى سواعدكم وأدمغتكم لإعادة ترميم هذا الخراب.

العدد 1104 - 24/4/2024