لأنه حمار

أيمن أبو الشعر:

اضطرّ الأستاذ رشيد – وهو مدرس للأدب العربي – أن يتفق مع النجار النقاش آصف لإصلاح بعض التحف الخشبية والموبيليا التي تضررت أثناء نقل العفش إلى البيت الجديد، فقد كانت دكان المعلم برهان مغلقة منذ حين، ويقال إنه مرض وسافر للعلاج.

راح يتأمل النجار الشاب آصف وهو يقف بحالات استعراضية، وينظر إلى زخرفة الكنبات والكراسي المشغولة بمهنية عالية، ويمد يديه مباعداً بين إصبعي السبابة والإبهام في كلّ كفّ وملصقاً إياهما معاً لتبدو كموشور ينظر من خلاله إلى المكان الذي يجب إصلاحه، وكأنه مهندس علّامة وخبير مرموق، ويقفز من مكان إلى آخر ليوحي بأنه يحدّد السمت، وحين سأله الأستاذ رشيد عن المعلم برهان، الذي صنع غرفة الضيوف هذه، قبل سنوات، بدأ بالحديث عنه بشكل سيّئ، وتطور الحديث إلى انتقادات حادة وهجوم غير مبرر.

ظل الأستاذ رشيد وهو مدرس للأدب العربي في الجامعة يلوح برأسه يمنة ويسرة، ويصرّ على أسنانه منزعجاً وهو يردّد بينه وبين نفسه: (لا حول ولا قوة إلا بالله، عيب الطعن بأستاذك)، فيما كان النجار النقاش آصف يعالج جانباً من زخرفة الموبيليا ويتابع، أثناء عمله، هجومه الساحق على معلمه السابق برهان، وهو النجار الأشهر في الحيّ كله بقدرته المميزة في حفر الخشب، والمشهود له بزخارفه التي زيّن بها خلال نصف قرن العديد من بيوت المنطقة، وحتى مسجد الحي وكنيسته، وحين ارتفع صوت الأستاذ رشيد مدافعاً بكلمتين عن المعلم برهان، اشتد هجوم آصف وسخر قائلاً إن المعلم برهان حصل على شهرته نتيجة علاقاته الاجتماعية، وأنه لا يفهم فن النحت، وخاصة الحفر في الخشب مطلقاً، وأكد آصف أنه هو الفنان، وبرهان عجوز ومجرد نجار، حتى إنه يسمّيه أحيانا حطّاباً، وهو رغم إقراره بأنه تتلمذ على يديه، وتعلم في ورشته، لكنه يؤكد أن ذاك الزمن مضى، وأن برهان حطاب أو نجار في أحسن الأحوال، وبات من الماضي، أما هو – آصف – فهو ابن الحاضر ونجم المستقبل، وهو المميز الفنان.

تدخل الأستاذ رشيد أخيراً، وأوقف آصف عن العمل طالباً أن يسمعه وألا يقاطعه، وقال بحدة: ربما تنطبق عليك صفة فنان، وأنت تتقافز كممثل، تبتعد وتقترب راسماً بأصابعك مربعاً كأنما تحدد السمت المطلوب، فقد وصف الأعشى حمار الوحش بالفنان لكثرة تقافزه وخيلائه، وأردف: يقول المثل الشعبي إن الحمار الصغير – الجحش أول ما يتعلم الرفس يرفس أباه، وبمجرد أن يكبر قليلاً ويصل إلى سن البلوغ يقفز فوق أمه ليمارس الجنس.. ثم سأله بلهجة قاسية: أتعلم لماذا يفعل بأبيه وأمه ذلك؟

قال آصف وقد خفت صوته: لا، لا أعرف، لماذا؟

فأجابه الأستاذ رشيد بحسم: لأنه حمار، وخرج من الصالون تاركاً آصف مذهولاً! وراح يردّد: (أعلّمه الرماية كلّ يوم.. فلما اشتدّ ساعده رماني)!

العدد 1105 - 01/5/2024