شباب بأحلام مهزومة

وعد حسون نصر:

الأزمات المتتالية، والواقع المعيشي، وسوء الخدمات، كذلك الخلافات والنزاعات على الصعيد الداخلي وحتى العالمي، وما حدث من تغيّرات في كل المجالات والأصعدة من تغيير اقتصادي وسياسي وحتى على صعيد الحياة الاجتماعية، فرض على الشباب العربي بشكل عام والشباب السوري بشكل خاص واقعاً صعباً وحياة مليئة بالمشقّات!

من هنا، كيف لهذا الشباب، المنزوعة أبسط حقوقه من تعليم وعمل وحتى إجازة للترفيه والراحة من ضغوطات الحياة، أن يحلم مع هذا العجز والنقص بأبسط المقومات الخدمية، سواء على صعيد التعليم الذي بات في أسوأ حالاته مع نقص الكادر التدريسي التي فرضته الأجور السيئة للمدرسين، وفقدان الخدمات في المدارس وحتى الجامعات التي تعاني هي الأخرى سوءاً خدمياً واضحاً على نطاق أوسع؟

لا يختلف الأمر على صعيد سوق العمل وانتشار البطالة واستغلال بعض أرباب العمل لحاجة الشباب ممّا يجعلهم يفرضون عليهم ساعات عمل طويلة بأجر قليل، والوضع ذاته في القطاع الصحي المتدني والفاقد لأبسط مقوماته، إضافة إلى أجور المعاينة الباهظة لدى غالبية الأطباء، كذاك الأمر في المشافي الخاصة. وهذا بحدِّ ذاته همٌّ كبير على الكثير من الاشخاص الذين يعانون من بعض الأمراض المزمنة التي تحتاج بشكل دوري لمراقبة ومعاينة من الطبيب.

في خضمِّ هذا الواقع، أضحى الشاب السوري في مواجهة الحياة على أكثر من جبهة، فهو يخشى أن يترك دراسته أو يستمر بها بسبب ما يترتّب عليه من مصاريف وتكاليف وأجور الجلسات الدراسية للمعاهد وثمن كتب ومحاضرات، وأجور نقل إن وجدت وسائط النقل، كل هذه المصاريف أبعدت الكثير من شبابنا عن هدفه وحلمه، أو بصورة أوضح عن حقه في التعليم، للتوجّه إلى سوق العمل الذي لا يختلف من حيث البطالة الناجمة عن عجز الكثير من أصحاب الاستثمارات عن دفع مستلزماتهم من جباية، أو أجور عمال ومكان، وما ترتّب عليها من عجز فرض على الكثير من التجّار أو الصناعيين إغلاق منشأته والذهاب للاستثمار في بلد آخر، وبالتالي ضاعت الكثير من فرص العمل على شبابنا، ما أدى إلى أن تفوز البطالة وتتصدّر حياتهم وتفرض عليهم عجزاً مادياً أفقدهم الكثير من طموحاتهم للسير نحو حياة أفضل.

واقع شبابنا السوري غدا واقعاً مؤلماً، فبات حلمهم الوحيد السفر بأي طريقة للخروج من جدران هذا المكان المُثقل بالهموم، وهذا ما جعلهم يتناثرون في أصقاع الأرض يغرسون بذور طموحاتهم المروية بالأمل بشغف العطاء لتوفّر البيئة الملائمة لنمو هذه الأهداف وهذه الطموحات. ومن هنا تراهم مبدعين ومتميّزين، منهم من حصل على علامات عالية في اختصاص معين بدولة أجنبية، وآخر أبدع في إدارة شركة بإحدى دول الخليج، حتى ملامحهم اختلفت، ثيابهم غدت ألوانها زاهية، نظاراتهم أضحت بعدسات أكثر شفافية لأن الطريق أمامهم لم يعد ضبابياً، فلماذا لا نُعيدهم إلى وطنهم مع خلق المناخ المناسب والشبيه بمناخ المكان الذي أبدعوا فيه لنستفيد من خبراتهم داخل بلدهم وبين أهلهم؟ ما الضرر من خلق مناخ صناعي يُعين الشباب على تأمين مصروفه وحاجاته المادية؟ ما الضرر في مناخ تعليمي بكوادر منصفة بالأجور لتعطي من خبراتها ومعلوماتها بكل حب للتلاميذ؟ أيضاً ما الضرر من مساعدة الشباب بقروض دون فائدة ليتمكّنوا من خلق مشاريعهم الخاصة بهم، فيساهمون في القضاء على البطالة ويضعون خبراتهم فيها، فتزداد السوق بروح شبابية جديدة تخلق معها مناخاً صناعياً مثمراً للالتحاق بسوق العمل، وحتى يمكن أن يكون هذا المشروع بمثابة معمل صغير، أو ورشة صغيرة تضم أكثر من شخص منتج؟

أرجوكم، حافِظوا على جيل الشباب، فهو عماد هذه البلد، وهو الوحيد القادر على إخراج البلد من عتمة الهموم إلى نور الفرج، بعمله وعلمه وطموحاته وطاقاته المفعمة بالحيوية، فمنذ قتلتم الأمل داخل شبابنا شاخت البلد وباتت تُحتضر.

العدد 1105 - 01/5/2024