لا ينقصنا شيء سوى عرضنا في واجهات!

وعد حسون نصر:

كم من مناشدات صدحت في العالم تُنادي بحقوقنا نحن البشر وتُندّد بالاتجار بنا، مناشدات تحدّثت عن كرامتنا وحقنا في الحياة، عن حق أطفالنا باللعب والتعليم!

لكن، أين هذه الشعارات اليوم؟ ما مدى صحة تطبيقها على واقعنا كشعوب بشكل عام، وعلى المجتمعات الفقيرة بشكل خاص؟ منذ أيام انتشرت صورة عبر وسائل التواصل لفتاة إفريقية ووالدتها وهما تجتازان الصحراء عبر الحدود الليبية، لكي تعبرا الموت إلى ضفة حياة كريمة، لكن للأسف الشديد كان عطش الصحراء وحرارة الشمس، وسخونة الرمل أقوى من الحياة، فأُزهقت روحيهما! هل نسمي هذه عدالة في حق الشعوب الفقيرة الهاربة من الموت؟

في الواقع السوري القائم على حياة شعب ما يقارب ساعة أو ساعتين فقط من الكهرباء يومياً، في وقت تلامس الحرارة فيه ذروتها! هل يُصنّف هذا تحت شعار حقوق الإنسان وعدم الاتجار به؟ أليس هذا قمة الانتهاك للإنسانية؟ فالحرمان من الكهرباء في فترة الظهيرة، وهي ضرورية كي تدور مراوحنا ونحظى بقليل من الهواء، المنعش، وكي ننعم ببعض رشفات الماء البارد، أو نتناول طعاماً غير فاسد بسبب الحرارة الزائدة، هذه أبسط (بعض الحقوق) وهي ليست ترفيهية؟!

أجور العمل التي لا تكفي ليوم واحد بسبب الغلاء الزائد، تدهور العملة المحلية أمام سعر الصرف، هل هذه عدالة أم أنها تندرج تحت بند الاتجار بحياة البشر؟ البطالة والجهل تحت ذريعة العقوبات والخروج من الأزمة أليس اتجاراً بنا؟ الواقع الذي تعيشه بعض الشعوب العربية بشكل عام والشعب السوري بشكل خاص هو اتجار بكل معنى الكلمة. فهل يعقل أن نعيش بلا ماء ونحن في فصل الصيف نحتاج إلى الاستحمام وغسل الملابس، وقبل ذلك إلى شرب الماء لحماية أجسادنا من الجفاف، ولريّ محاصيلنا الاستراتيجية!؟

من قال لكم إن الكهرباء رفاهية؟ من أخبركم أن الجهل يبني مجتمعات وأن المعلم مفروض عليه أن يقدم المعلومة بهذا الراتب الذي لا يشتري له زجاجة زيت وعلبة لبن ولا يكفيه ليوم واحد! وهذا الكلام ينطبق على العامل والموظف …الخ.

بات السوري اليوم يجوب أصقاع الأرض بحثاً عن مستقبله المجهول، يعمل في مجالات لا تخصُّ دراسته مقابل النقود، ضاع مستقبله وحلمه بأسرة لأنه مجرّد أن يخطو نحو شبابه يُقدم على العمل ليُعيل نفسه وأسرته إذا كان لا يوجد معيل غيره. كذلك السفر بطرق غير شرعية ليحظى الشباب والأطفال بحياة كريمة، رغم أنه كثيراً ما تؤدي هذه الطرق إلى الهلاك وإزهاق أرواحهم، أليس هذا اتجاراً بالبشرية ومستقبل أطفالها؟ فكيف نطلق على أنفسنا بشراً ولنا حقوق وكرّاسات كُتبت تدعو لعدم البيع والشراء بنا، ألا يجب أن ننال أبسط حقوقنا وخاصة أن النصف بات يفترش الأرض ويعمل في كل المجالات ومن كل الأعمار، نُحرم من النور ومن الطعام الصحي، من العلاج، من البسمة التي غابت عن شفاهنا، وحلَّ محلّها عبسة تقطن بين حاجبينا وتجاعيد تتحدّث عن همومنا رغم صغر سنِّ البعض، ثياب تتحدث عن زمن المعاناة وأحذية كل غرزة جديدة بها تخبر كم مشينا ونحن لا نمتلك نقوداً تخوّلنا الصعود لحافلة، فأين نحن من منع الاتجار بنا إذا كانت أعضاؤنا جابت العالم، وقلوبنا قطعت البحار في قوالب مجمّدة لتحيا في أجساد غيرنا، لمجرّد أنني أحظى بصفة إنسان!

هل حقاً منعتم الاتجار بأجسادنا، التي غدت وجبة شهية لسمك البحر والمحيط، ونحن نبحث عن حياة كريمة بعيدة عن هذا المنفى، كذلك باتت وجبة للوحوش في الغابات، جيفة لوحوش الصحراء، أرجوكم أبعدونا عن قائمة منع الاتجار بنا، لأننا بعد فترة سنُعرض بالأسواق على أننا قطع غيار أو وسائل جرٍّ وحمل ونقل لمتاعكم، أو وسيلة متعة للياليكم الحمراء حسب مقاييس جمالكم وطلبكم، فمن هنا باتت كل شعاراتكم لمنع بيعنا وشرائنا شعارات فقط أمام اتجاركم بنا.

العدد 1105 - 01/5/2024