ظاهرة الاتجار بالبشر وموقع السوريين اليوم منها

د. عبادة دعدوش:

لابدَّ أننا صادفنا مفهوم الاتجار بالبشر على مرِّ سنوات من خلال شاشات التلفاز أو من بعض القراءات في الصحف والمجلات.

الاتجار بالبشر هو بيع وشراء الأفراد لأغراض ترتبط بالعمالة القسرية والاستعباد والاستغلال بمختلف أشكاله لأهداف تجارية عن طريق المهربين وغيرهم من المنتفعين. وقد يندرج تحت بند الاتجار بالبشر تجنيدُ أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم بواسطة القوة أو الاختطاف أو الاحتيال من أجل الربح المالي، ويمكن للرجال والنساء والأطفال من جميع الأعمار ومن جميع الخلفيات أن يصبحوا ضحايا لهذه الجريمة التي تقع في كل منطقة من مناطق العالم.

ولعلَّ أهم الأسباب التي تدعو الأفراد إلى الانخراط في جرائم الاتجار بالبشر هي المال والشعور بالخطر وسوء المعاملة، وهي جميعها ظروف تتعلق بالمستوى الفردي والاجتماعي العام، وتؤثر في قرار الفرد بالانخراط ضمن مجموعات الاتجار. وقد حُدّدت أول أنماط الاتجار بالبشر، في قرار دولي، في عام 2006 وحدّدها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وقُدّر عدد ضحايا الاتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم ب 27.6 مليون شخص، على إثر ذلك حُدّد يوم 30 تموز من كل عام يوماً عالمياً لمكافحة الاتجار بالبشر.

الأمر الذي وسّع من انتشار تلك العمليات سواء كمفهوم أو كظاهرة كثُرت في المجتمعات التي تكتسيها الجرائم والمخدرات والأمراض، والتي تتعرض لقيود دولية ومستوى كبير من البطالة.

واليوم في ظلِّ الحرب والقيود التي تعرّضت لها سورية، باتت الأبواب مفتوحةً لمختلف عمليات الاحتيال والنصب والاستغلال بقصد الحصول على المال. لكن أين يصبُّ مفهوم حقوق الإنسان في ظلِّ تعدّد هذه الظواهر التي تنتهك من كيان الإنسان وتخلق فجوات أخلاقية وأنماط متردية ومتوحشة؟

في السنوات الماضية ظهرت قيود دولية سلبت المجتمع السوري أبسط حقوقه في العيش، فبدأت الجرائم تكثُر وتتعدّد الوسائل وسبل الحصول على المال، فتكشّف الغطاء عن ظاهرة الاتجار بالبشر كنوع من الظواهر الشنيعة التي تسهل ممارستها وتكثُر نتائجها المزرية من خلال بيع الأعضاء والانتهاك الجسدي وحالات الخطف والتعذيب حارمة المجتمع بذلك من أهم مقوّمات الأمان، التي أشغلتها أجندات خارجية طمعاً منها بالسيطرة والنفوذ. ومع تطور الوضع سوءاً في الداخل، وخاصة تردي الوضع المعيشي والغلاء الفاحش ونقص الرعاية الصحية، وضياع وتفكّك أغلب الأسر السورية سواء بالهجرة إلى الخارج أو من خلال دفن القيم والعادات والضوابط التي تجمع شمل الأسرة السورية، بات الاتجار بالبشر وسيلة للحصول على المال من خلال بيع الأولاد لمهربين في الخارج مقابل العملة الصعبة، أو من خلال اتباع الأساليب غير الشرعية والتي تخلق ممرات للحصول على المال من مصادر مجهولة، وهكذا أصبحت أداة التحكّم في يد المُهربين المُستغلين الذين يمارسون الاتجار بأشكال عدة: كالعمل الجبري والاتجار بغرض نزع الأعضاء وبيعها، والتسول القسري وغيره من صور العمل بالتهديد والذي يتمُّ فيه استغلال ضعف الشخص وحاجته المادية.

أهم الحلول لظاهرة الاتجار بالبشر:

  • وضع خطة استراتيجية للوقاية من المشكلة ومراجعة التشريعات بهذا الخصوص.
  • زيادة الوعي المجتمعي بالمخاطر والعواقب الناجمة عن هذه الجريمة.
  • دعم المعنيين في الدوائر الحكومية وتطويرهم وتدريبهم على طرائق التعامل مع مكافحة الاتجار بالبشر.

وأرى أن أهم الحلول هي زيادة الوعي المجتمعي حول هذه الظواهر من خلال الندوات التوعوية والتثقيفية، واهتمام الحكومات بالوضع المعيشي منعاً من انحراف الأفراد للحصول على المال.

الظواهر الاجتماعية السلبية كثيرة لا تنتهي، وعواقبها وخيمة، لكن بإمكاننا تفاديها ومكافحتها لخلق بيئة مجتمعية آمنة.

العدد 1105 - 01/5/2024