حمل ثقيل بعد عام من الدراسة

وعد حسون نصر:

العطلة الصيفية باتت همّاً فوق أكتاف الأهل في هذا الزمن المفعم بالقهر، فلم تعد هناك مساحات واسعة لتكون ساحات لعب للأطفال، ولم تعد الحدائق كسابق عهدها متنزّه الأهل والطفل ومكان اللهو واللعب وتفريغ الطاقات. فقد بات الصيف يحمل معه عبء الحياة بدل أن يكون فصل الرحلات والنزهات والمرح وموسم الأعراس والسفر إلى بيت الجد في الريف أو إلى بيت الأصدقاء في مناطق مختلفة. الغلاء الفاحش والأزمة وما خلّفته كبّلت أيادينا جميعاً وجعلتنا نحسب خطواتنا قبل أن نقرر الخروج لرحلة قصيرة أو السفر للقرية، لم نكن نخشى عطلة الصيف، فمجرد أن ينتهي العام الدراسي نحزم أمتعتنا ونذهب إلى بيت الجد والأعمام والأخوال والعمات والخالات في القرية، لم نكن نحسب لقمة الخبز ولا قطعة الفاكهة ولا قطعة الخضار، الخير وفير والأرض تجود بالطيبات وطبخة تطعم الجميع، تجمعنا غرفة نضحك فيها، نتسامر وعند المساء نخرج للحقول نلعب حتى يحلَّ الظلام، ثم نعود ونغتسل ونتناول العشاء ونخلد للنوم على صوت الضحكات. أمّا اليوم فقد باتت أجرة الطريق مُكلفة، والإقامة عند الأهل مُكلفة لهم ولنا، إذ لم تعد الحقول آمنة، ولا السطوح نقيّة لنحصي عليها عدد النجوم. في الماضي، لم نكن نخشى همَّ اللعب في الطريق، فكلنا أهل وكلنا لديه صلاحية إرشاد أطفاله وأطفال غيره، اليوم بات الطريق وعراً ولم يبقَ للجيران صلاحية الأهل.

كان البحر بالنسبة لنا مُتاحاً حتى منتصف الليل، إن أردنا نحزم الحقائب وأي وسيلة نقل مسافرة من دمشق إلى الساحل نرتادها بعيون مليئة بالفرح للقاء البحر، أما اليوم فقد غدا البحر حلماً بعيد النال أو مستحيلاً بعد أن سوروا شواطئه واستثمروه. فأين يذهب الأهل بأبنائهم طيلة الصيف والنسبة الكبيرة منهم ميزانيتهم لا تسمح لهم بتسجيل أبنائهم في نوادٍ ترفيهية، فبات الولد يقضي وقته في المنزل وحالة الملل والسقم تجتاحه مع غياب التيار الكهربائي، لعدم تمكّنه من مشاهدة التلفاز، وإذا كان الحال للأهل ميسوراً نوعاً ما يمكّنهم من شراء جوال خاص للطفل، فترى الطفل منعزلاً مع جوّاله وليس لديه أي نشاط اجتماعي أو تفاعل.

جميعنا يعلم كم يحتاج الطفل إلى النشاط الاجتماعي والتفاعل مع أقرانه لكي يتمكّن من اكتشاف مواهبه وقدراته على التعامل وحلِّ المشاكل والاستجابة للانفعالات، ولكن مع ضعف القدرة المالية وعدم تمكّن الأهل من إلحاق أبنائهم بالنوادي الصيفية بات الطفل منعزلاً وبعيداً عن الانخراط والتفاعل بالمجتمع، كذلك ضيق المساحات المتاحة وعجقة المدينة غيّبت وجود الحدائق وإمكانية اللعب فيها، وغابت فكرة اللعب في الساحات الآمنة، فـفقد الطفل الاحتكاك المباشر مع أقرانه ومع الطريق، وبات العنصر الاجتماعي لديه مفقوداً.

من هنا، وجب على المنظمات الرسمية والمدنية التي تُعنى بالشأن الإنساني والاجتماعي، وكذلك على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وعلى المجتمع الأهلي السعي لتأهيل الحدائق كي تصبح مكاناً آمناً لأطفالنا، ولضرورة اندماجهم مع التراب والشجر والزهر، لتكون الكرة نقطة التفاعل بينهم وضحكاتهم رسالة الفرح للعالم، وصراخهم تمرين صوت لمواهب مخفية قد تجد خلف هذا الصراخ مُنشداً ومغنياً ومرتّلاً. كذلك الساحات الجميلة تغدو ملعب كرة ولقاء محبين، منبراً للشعر، يرسم الأطفال على أرضها (خوطاً) تتنقل أقدامهم بين مربعاته ومن يدوس الخط يكون الخاسر، والضحكات تغزو شفاه أقرانه على خسارته، كذلك السبع بلاطات وشدّ الحبل، جميع هذه الألعاب كانت تجمعنا وسط الساحات التي غابت مع ضيق الساحة وازدحام البناء، ثم ما الضرر لو تُنشأ نوادٍ بسعر رمزي من قبل الميسورين من المجتمع الأهلي لتكون متنفساً للأطفال بالصيف، ومكان لقاء تفاعلي بينهم، كلٌّ منهم يُعلّم زميله فكرة ولعبة وكلمة وجملة؟ ما الضرر من التعاون لنعيد للطفولة فرح الصيف؟ لا تجعلوا من همومكم وحشاً يلتهم حيوية أطفالكم، أطلقوا لهم الفرح في الساحات، في الحدائق، في النوادي الأهلية. طيّروا ضحكاتهم مع ركلة الكرة لتعود البلاد تعجُّ بأحلام طفولتهم، ويعود الصيف مزهوّاً بقدومهم يرقص لفرحهم.

العدد 1105 - 01/5/2024