ما بديل النوادي الصيفية لأطفال الطبقة الكادحة؟

د. عبادة دعدوش:

الأطفال هم روح الحياة وبناة المستقبل في أيّ مجتمع زاهر وزاخر بالعقول النيّرة، وهذا ما يدفعنا للاهتمام أكثر بتنشئتهم وإظهار طاقات الإبداع الكامنة داخلهم، بالقضاء على الفراغ الذي يؤول بهم إلى الانهيار الروحي والمعنوي والمادي، ويتسبّب بخلق العديد من المشاكل النفسية وأخطرها الاكتئاب، لنحظى ببناء جيل أكثر كفاءة ومقدرة على المضي في طرق الحياة المختلفة، لكن هل من الممكن أنْ تهزمنا العقبات؟!

لعلَّ ذلك السؤال يُهدّد سلامة مناخ تربية الأبناء في واقع يعاني من تردّي الأوضاع المعيشية بسبب الغلاء الفاحش، وهذا ما يجعل متطلبات الحياة الأساسية تُشكّل عبئاً كبيراً على الآباء فكيف الحال مع المُتطلّبات الترفيهية؟

من المعروف أن الأبناء يحتاجون في المراحل العمرية الصغيرة لرعاية أكبر، لما تحمله تلك المراحل من اكتشاف وعنفوان واندفاع وتهوّر وحساسية وغيرها من المشاعر التي تحتاج إلى اهتمام وتنظيم ليكونوا على المسار الصحيح من الوعي والتطور بعيداً عن الفشل وضياع الأوقات في الأذيّة وإلحاق الضرر بالنفس وبالغير، لذلك لابدَّ من خلق بيئة داعمة يعمل من خلالها الآباء على استغلال أوقات الفراغ في فترة الإجازة الصيفية لبناء وتطوير مقدرات أبنائهم وتنمية مواهبهم عن طريق النوادي الترفيهية والتعليمية التي تعمل على ملء أوقات الفراغ بما هو مفيد ومُشجّع للأبناء، وخلق بيئة تفاعلية ومعرفية جديدة تضيف إلى شخصيات الأطفال وتُمكّنهم من خلق مساحة آمنة للهو والتعلم معاً بعيداً عن هدر الوقت في ما قد يُسيء لتربية الأبناء ويؤثّر على حياتهم وشخصياتهم وتفاعلهم ضمن المجتمع.

لكن كيف سيكون الحال عند عدم وجود مقدرة مادية لدى الآباء ليزجّوا بأبنائهم ضمن صفوف هذه النوادي، وكيف سيكون الحال عندما تتضارب أمنية أحد الأبناء بتقوية موهبته أو الترفيه عن نفسه مع الغلاء الفاحش في واقع سوري يعيش اليوم ظروفاً قاسية لا تخلو من الصراعات المحتدمة لتأمين قوت اليوم؟

لا ننكر أنّنا نقف أمام سيف ذي حدّين، بين الحقوق والأولويات، وما أصبح اليوم من الثانويات التي يمكن أن يُستغنى عنها، وهذا ما يجعل الأبناء يعيشون مع آبائهم صراع العمل والمال والترفيه، فتكاد الكلمة الأخيرة تُلغى من حياتهم، وذنبهم الوحيد أنهم خُلقوا في ظلِّ أزمة تُخيّم على البلاد منذ سنوات.

لذلك قد نرى اليوم حالات كثيرة تغزوها الهموم التي ألمّت بأغلب الأُسر السورية، فأصبح الآباء إما يدفعون بأبنائهم إلى العمل في العطلة الصيفية، وإما يُغرقون أنفسهم بالديون ليلوذوا بأبنائهم إلى النوادي الصيفية التي تتطلّب مبالغ مالية مرتفعة، أو المجازفة بإبقاء أبنائهم يلهون في الشوارع مع رفاق السوء ليكتسبوا بذلك طباعاً شخصية لا تشبه تربيتهم وأخلاقهم ممّا يُعرّضهم لخطر الانحراف السلوكي في المستقبل.

ربما تعتبر تلك المسألة الشائكة من أكثر المسائل حساسية، وهذا ما يجعلها تتطلّب حلولاً بديلة تقع على عاتق الأهل على أمل الاستفادة مستقبلاً منها، فما هي هذه الحلول؟

من هذه الحلول هو سعي الآباء لاكتشاف أنماط شخصية أبنائهم وهواياتهم الكامنة، والعمل على توفير أبسط ما يحتاجه الطفل للبدء بتطوير مهاراته، والبداية دائماً تكون عبر الإنصات لهذا الطفل ليُعبّر عن كوامن نفسه وأفكاره.

كما أنّ تعليم الأبناء مبدأ الاعتماد على الذات في الأمور المنزلية، ومحاولة قضاء أكبر وقت معهم، أمر مهمّ لتنمية قدراتهم في تحمّلهم للمسؤولية.

إلى جانب تشجيع الأبناء على القراءة، وخلق مساحة للحوار معهم في كل ما يحدث حولهم بأسلوب مُحبّب ومقنع.

وتأتي الرياضة كأحد أهم الحلول من خلال تكريسها في تعبئة أوقات فراغ الأبناء، ودفعهم لمساعدة الأهل بما يقدرون عليه، وهذا ما سيُحفّز لديهم شعور نشوة الإنجاز.

وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى إمكانية تعليم الأبناء بعض الألعاب الذهنية، التي تُعدُّ رخيصة الآن مقارنة بغيرها من النشاطات، مثل الشطرنج وألعاب الذكاء والحساب الذهني، التي لا تتطلّب الكثير من المال ويمكن من خلالها تطوير قدرات الأبناء في مراحل عمرية صغيرة، وهذا عامل يدفعهم إلى الإبداع وخلق احتمالات جديدة لحيواتهم.

لا شكَّ أن هناك العديد من العقبات التي تقف عائقاً أمام الاستفادة من حالة النوادي الصيفية بالنسبة لأبناء ذوي الدخل المحدود، لملء أوقات فراغهم وتنمية مهاراتهم، ولكن في الوقت ذاته لا تزال هناك حلول بديلة تُحقّق الفائدة المرجوّة بوجود وعي عالٍ من الأهل، وتخصيص المزيد من الوقت في تقوية صلات التواصل مع الأبناء والاستماع لهم.

خلاصة الكلام تكمن في ضرورة ألاّ يُترك الأبناء فريسة الوهم والفراغ والعجز خلال فترة الإجازة الصيفية، فالاستسلام لهذا الواقع المُتردّي سيترتّب عليه نتائج كارثية في المستقبل ليس فقط على صعيد الأُسر المنتمية لطبقة ذوي الدخل المحدود، بل سيتعدّاها ليؤثر في بنية المجتمع كاملاً، وهذا إن حصل فلن تُحمد عقباه أبداً، والجميع عندئذٍ سيدفع الثمن باهظاً.

العدد 1105 - 01/5/2024