العطلة الصيفية.. قهر وحرمان وتيه

إيمان أحمد ونوس:

ما إن انتهى العام الدراسي للمراحل التعليمية الأولى، حتى اكتظّت الشوارع على مدار ساعات الليل والنهار بالأطفال اللاهين والعابثين أحياناً كثيرة بالممتلكات العامّة والخاصة، وقبل هذا، فهم يُشكلون وهم يلعبون إزعاجاً دائماً للناس بأصواتهم وشغبهم في مختلف الأوقات.

بالتأكيد، هم ليسوا مسؤولين عن هذه الحال، لأن الفراغ الذي يخلقه انتهاء العام الدراسي وابتداء العطلة الصيفية، لا بدّ أن يملؤوه بما يتناسب مع حيويتهم وشغبهم وتوقهم للتّخلص من الواجبات المدرسية الضاغطة بنظرهم، وكذلك بما يتناسب مع واقعهم الاجتماعي والمادي. ولأن الوضع المعيشي والاقتصادي اليوم قد فرض قسوته على الغالبية من الناس، بعد أن بات تأمين احتياجات لقمة العيش أولوية قصوى شّاقة وعسيرة، ما جعل البعض من الأهل الذين يقطنون بيوتاً ضيّقة، مع إمكانات مادية أضيّق، يدفعون بأبنائهم إلى الشارع لأجل اللعب واللهو وتمضية الوقت، لكن دون إدراك منهم أن في هذا أذيّة كبيرة للطفل والجيران معاً! مع أن الغالبية من هؤلاء الطفال يُزجُّ بهم في سوق العمل، فقد شهدنا ظاهرة انتشار الأطفال في غالبية المحال التجارية والمطاعم والمولات، في استغلال شنيع لجهودهم وأجرهم الضئيل.

لكن، ما الحلّ؟

لا شكّ أن الحلّ يجب أن يتوافق والواقع، بعيداً عن المفروض في الحالات الطبيعية لبلد يعيش ظروفاً إنسانية وطبيعية أسوة بباقي المجتمعات والبلدان. أمّا ونحن هنا في بلد تحاصره الأزمات ساعة بعد أخرى، وتُضيّق الخناق حتى على لقمة العيش، فلا يمكننا ان نطلب المستحيل سواء من الأهل أو من المعنيين بشؤون الطفولة من منظمات المجتمع المدني، أو من الجهات الرسمية المعنية أكثر من سواها وفقاً لما تقتضيه حقوق الطفولة المنصوص عنها في اتفاقية حقوق الطفل.

فإذا افترضنا وجوب وجود نوادٍ صيفية للأطفال، فإنها موجودة وبكثرة، لكن المشكلة والعائق الأساسي يتمثّل في المبالغ الباهظة المطلوبة لانتساب الأطفال إليها، فهي تتجاوز مئات الآلاف من الليرات لقضاء بضع سويعات فيها. وبالتأكيد فإن غالبية الأهالي عاجزون عن تأمين هذه المبالغ، وبالتالي لم يتبقَّ سوى الحارات والشوارع أمام الأطفال لتفريغ طاقاتهم فيها. وهنا، بدل أن تتدخل الجهات الرقابية المسؤولة عن التسعير، وتلك المعنية بالشأن الطفولي، للجم هذا النهب غير الأخلاقي وغير النظامي، فإنهم يتركون الحبل على الغارب لأسباب لسنا بصددها هنا، لكنها معروفة للجميع.

لكن بالمقابل أرى أن هناك حلولاً معقولة ومنطقية لاستيعاب الأطفال خلال العطلة الصيفية، كأن تقوم وزارة التربية مثلاً، بإنجاز مسألتين غاية في الأهمية في هذا المجال، المسألة الأولى تتمثّل في جعل المدرسة التي تُشكّل في الحالة الطبيعية وخلال العام الدراسي مكاناً لأداء الواجبات والدراسة والحفظ، وهو ما لا يرغبه الطفل دائماً، جعلها مكاناً محبوباً ومرغوباً من قبله، والمسألة الثانية تتمثّل في جعل هذه المدرسة نادياً صيفياً للهو واللعب وتفريغ الطاقات بلا أوامر ولا واجبات تُرهق ذهن الطفل، فتُصبح هي المكان الأمثل لتنمية مواهبه واستيعاب شغبه ولهوه بحرّية تجعله يُقبل عليها بكل رغبة واندفاع مُحبّب، ما يعمل على تغيير نظرة الطفل السابقة إلى المدرسة كمكان لأداء الواجبات والأوامر فقط لا أكثر.

بالتأكيد هذا المشروع يحتاج إلى كوادر مؤهّلة بمختلف الاختصاصات والمستويات، إضافة إلى مصاريف بإمكان الوزارة بالتعاون مع اليونيسف تأمينها (علماً أن اليونيسف تدعم الكثير من هذه الأنشطة)، إضافة إلى استثمار حالة التطوّع التي يُقبل عليها كثير من الشباب من الجنسين لأداء خدمات إنسانية تُسهم في انتشال الأطفال من واقعهم القاسي اليوم. وبالتالي يتمّ استثمار وقت الفراغ لدى الأطفال بما يفيدهم من جهة، وبما يُجنّبهم مخاطر الشوارع وسلوكياتها السلبية، وكذلك التخفيف من إزعاج الجيران الذي بات مستمراً على مدار ساعات الليل والنهار.

فهل من آذانٍ مصغية لدى مختلف الجهات وخاصة وزارة التربية للعمل على انتشال الأطفال من براثن الشارع، وجعل المدرسة المكان الأجمل بالنسبة للطفل؟

العدد 1104 - 24/4/2024